يقدم المحامي فايز شديد المطيري، رؤية قانونية حول تضارب أحكام التمييز في مسائل الجنسية ومدي اختصاص الدائرة الإدارية بنظرها من عدمه.
درجت أحكام محكمة التمييز علي اعتناق فكرة عدم اختصاص الدائرة الإدارية بنظر الدعاوي المتعلقة بالجنسية لخروجها عن الإختصاص الولائي للمحكمة كونها من أعمال السيادة، بيد أن حكماً جديداً قد صدر من محكمة التمييز قد تبني اتجاهاً مضاداً فقضي باختصاص الدائرة الإدارية بنظر دعاوي الجنسية ليرفض الدفع بعدم الإختصاص علي سند من خروج مسائل الجنسية من دائرة أعمال السيادة وعدم تحصين القرارات الصادرة بشأنها من رقابة القضاء ، ليخالف بذلك مبدأً سابقاً ، ومن ثم استتبعه حكم أخر قضي بعدم الاختصاص والخاص بسحب جنسية عائلة البرغش ويلقي حجراً في مياه راكدة .
وقد عني المشرع برفع ذلك التضارب بالمرسوم رقم ٢٣ لسنة ١٩٩٠ في شأن تنظيم القضاء، فنصت المادة الرابعة منه علي أنه : ( إذا رأت إحدي الدوائر العدول عن مبدأ قانوني قررته أحكام سابقة صادرة منها أو من الدوائر الأخري أحالت الدعوي إلي هيئة تشكل من أحد عشر مستشاراً من مستشاري المحكمة يختارهم رئيس المحكمة وتكون برئاسته أو من ينوب عنه وتصدر الأحكام بأغلبية الأراء . )
والبين من صراحة النص ان دائرة التمييز إذا ما رأت العدول عن مبدأ قانوني سابق صادر منها أو من دائرة غيرها أن تحيل الدعوي إلي الهيئة المشار إليها وهي دائرة توحيد المباديء.
غير أنه لصاحب الشأن ( الطاعن ) إذا ما عرض طعنه أمام دائرة معينة ، وكان هناك تناقض بين حكم سبق صدوره عن تلك الدائرة، وحكم صادر عن دائرة أخري، أن يتقدم بطلبه إلي المكتب الفني لعرض الطعن علي دائرة توحيد المباديء ويكون طلبه مشفوعاً بالأحكام المتعارضة في ذات المسألة التي أقام عنها طعنه، وهو صاحب مصلحة في ذلك تقتضيها نظر طعنه علي نحو سليم ووفق مبدأ قضائي واحد (قد تدفع الحكومه بعرض الطعن علي سحب جنسية أحمد الجبر علي دائرة توحيد المباديء ان عرض الامر علي ذات دائرة التمييز التي حكمت باختصاص المحكمه بنظر مسائل الجنسيه ) فإذا ما قامت دائرة توحيد المباديء بتقرير مبدأ قضائي واحد، حينئذ لا تثور مشكلة بالنسبة للطعن المقدم من صاحب الشأن إذ يكون الفصل في طعنه في ضوء ما قررته دائرة توحيد المباديء .
بينما تثور المشكلة بالنسبة لغيره ممن سبق لهم الطعن وصدر ضدهم حكماً وقت أن كانت الأحكام متضاربة ، كحال من صدر في طعنه حكماً معتنقاً لمبدأ عدم اختصاص الدائرة الإدارية بنظر دعاوي الجنسية ، إذ لا يجوز إعادة نظر طعنه بعد قضاء دائرة توحيد المباديء اختصاص الدائرة الإدارية بنظر دعاوي الجنسية، ولا يجوز له عرض أمره علي دائرة توحيد المباديء كونها ليست جهة طعن أعلي من دائرة التمييز التي سبق وفصلت في طعنه .
والحال هكذا فلا مناص من التدخل التشريعي لمعالجة الأمر، وقبل ذلك فيكون السبيل أمامه أن يرفع دعواه مجدداً أمام الدائرة الإدارية مطمئناً أنها ستنظر دعواه علي هدي من قضاء دائرة توحيد المباديء .
ولا يعتبر الحكم الصادر سابقاً بعدم الإختصاص حجة عليه، فلا يعد مانعاً من نظر الدعوي، ولا تملك جهة الإدارة أن تدفع بعدم جواز نظر الدعوي لسبق الفصل فيها، لأن الحكم الصادر بعدم الإختصاص ليس فاصلاً في موضوع الدعوي وليس منهياً للخصومة، ومن ثم فلا يحوز الحجية المانعة من إعادة نظر الدعوي .
وليس أدل علي ذلك من أن قضاء التمييز الذي قبل الطعن ورفض الدفع بعدم الاختصاص بدعاوي الجنسية ، قد أعاد الدعوي لمحكمة الدرجة الأولي للفصل في موضوعها كون محكمة الدرجة الأولي لم تستنفذ ولايتها ومن ثم فلا يحوز حكمها بعدم الإختصاص أدني حجية .
ولا يفوتنا التأكيد علي أن فكرة أعمال السيادة ذاتها ليست فكرة جامدة وإنما هي فكرة متطورة ونسبية ، فما كان من أعمال السيادة في الماضي، قد لا يعتبر ذلك في الحاضر في ظل تطور الدولة وانصقال شمائلها.
كلام صحيح ورؤية قانونية ملمة من الاستاذ المحامي المتميز .. ماشاءالله تبارك الرحمن وبالتوفيق دائما
طريقة طرح الموضوع وتناوله والمعلومات الواردة فيه أكثر من رائعة ومفيدة لكل العاملين في المجال القانوني
شكرا أستاذ فايز المحترم على هذا الموضوع الأكثر من رائع