أقلامهم

نساء أميركا أقوى من الرجال

بعد القرار العنصري الذي أصدره الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي يقضي بحظر دخول أميركا لحاملي الإقامة الدائمة، أو من لديهم تأشيرات هجرة سارية من رعايا سبع دول عربية وإسلامية، أعجبني موقفان اتخذتهما اثنتان من نساء أميركا، قد لا يفعلهما الكثير من الرجال.

الأول، للقاضية آن دونلي، والتي أصدرت قراراً يقضي بإيقاف تنفيذ القرارات التي اتخذها رئيس الدولة!

وهذا الموقف تشكر عليه القاضية، وهو دليل على تحكيمها لضميرها، وإشارة إلى احترامها للقسم الذي أدته عند تسلم وظيفتها. وأتساءل عن العدد المتوقع من القضاة في عالمنا العربي ممن يمكن أن يتخذوا مثل هذا القرار؟

أتذكر من تاريخنا الجميل أن خلافا وقع بين الخليفة علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – مع يهودي على ملكية درع، فاحتكموا إلى أحد قضاة المسلمين، ولأن الخليفة علي لم يتمكن من إثبات ملكيته للدرع – رغم أن الدرع له – فإن القاضي حكم لمصلحة اليهودي، ما حمل اليهودي على دخول الإسلام، لمّا رأى ما في هذا الدين من العدالة والإنصاف. وأسترجع تاريخ فتح المسلمين لبلاد سمرقند، وكيف أن قاضي المسلمين، أمر الجيش بالخروج من المدينة بعد فتحها، لمّا احتج أهل المدينة على دخول الجيش الإسلامي للمدينة من دون أن يخيّروهم بين الإسلام أو الجزية أو القتال، وبالفعل خرج الجيش، فلما رأى أهل سمرقند هذا الموقف، طالبوا الجيش بالبقاء.

إن القضاء مهنة شاقة وأمانة عظيمة، تتطلب أن يحكم القاضي بما لديه من دلائل وبراهين، لا بالعواطف والمشاعر، أو الميول والاتجاهات، أو المصالح والعلاقات.

وقد فرّ الكثير من سلف الأمة عن تولي القضاء، خشية الإخلال أو الجور في الأحكام، وهم يتذكرون أن النبي عليه الصلاة والسلام، بيّن أن قاضيين في النار وواحد في الجنة.

والمرأة الأميركية الثانية التي أعجبني موقفها هي وزيرة العدل بالوكالة سالي بيتس، والتي أمرت محامي الوزارة بعدم تنفيذ قرار حظر الهجرة الذي اتخذه الرئيس. وهذا الموقف الشجاع كلّف الوزيرة منصبها، إذ قام الرئيس ترامب بإقالتها، واعتبرها خائنة لعملها.

موقف الوزيرة هو درس لكل مسؤول، بأن يتمسك بمبادئه ولو أدى ذلك لخسارة منصبه، وأن يجعل المنصب في يده، لا أن يمكّنه من استعباد قلبه، وأن يدرك بأن المسؤولية تكليف لا تشريف. لذلك، فالمسؤول الواثق من نفسه، المتمسك بقيمه ومبادئه، لا يضره فقْد المنصب، إذا كان ثمن البقاء فيه هو أن يبيع ضميره وأخلاقه.

وأود أن أتساءل هنا عن عدد أو أسماء المسؤولين من أصحاب المناصب في بلادنا ممن قدموا استقالتهم، أو تمت إقالتهم، بسبب تمسكهم بمبادئهم العليا التي لم يقبلوا التنازل عنها. لا شك أن سجل التاريخ حافل بأسماء لامعة ثبتت على مبادئها، ولم يغيرها بريق الكرسي، كما أن مكب قمامة التاريخ أيضاً احتوى على قوم هانت عليهم أنفسهم، فمرغوا وجوههم بسواد مواقفهم، من أجل البقاء على كرسي الحلّاق «كرسي المنصب» لفترة وجيزة.

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.