دى هولندا مُشلكة بإمكان العديد من البلدان فقط أن تحلم بها، وهي نقص نزلاء السجون.
وفي الوقت الذي تمتلئ فيه سجون دول كبرى على رأسها الولايات المتحدة، وبلجيكا، وبريطانيا، وفنزويلاً بالنزلاء، فإن عدداً كبيراً من سجون هولندا فارغ، ما دفعها إلى تأجيرها لدول أخرى سجونها مكتظة بالموقوفين، أو حولتها إلى أماكن مأوى للاجئين الذين اجتاحوا أوروبا ووصل عدد منهم للأراضي الهولندية، بحسب ما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية 9 فبراير/شباط 2017.
ويقدر بأن ثلث زنازين السجون الهولندية فارغ، بحسب ما تقوله وزارة العدل في البلاد، وهو ما دفع علماء إلى الاعتقاد بأن هذا الانفخاض الكبير في أعداد النزلاء يعود للتدني المذهل في معدلات الجريمة على مدى العقدين الماضيين، ونهج إنفاذ القانون الذي يفضِّل إعادة التأهيل على عقوبة الحبس.
ويقول البروفيسور سوانينجين أيضاً، إنه في العصر الرقمي يقضى عدد متزايد من الفئة العمرية البالغة بين 12 إلى 18 عاماً -وهم الأكثر عرضة لخطر ارتكاب جرائم الشوارع الصغيرة- وقتهم مُنطوين على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بهم، مما يبعدهم عن الشوارع ويقلل من معدلات الجريمة.
ويضيف أن السجون قد صارت فارغة أيضاً بسبب التركيز على أساليب أخرى للمراقبة، مثل التعقّب الإلكتروني.
انخفاض معدلات الجريمة
وبحسب تقرير الصحيفة الأميركية، فإن معدل الجرائم الموثقة في هولندا تقلص بنحو الربع خلال السنوات التسع الماضية، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الوطني في البلاد.
وأغلقت الحكومة الهولندية نحو 60 سجناً على مدى السنوات الثلاث الماضية، في حين من المتوقع أن يصل عدد الزنازين الفارغة في هذا البلد الأوروبي إلى 3 آلاف زنزانة بحلول العام 2021، كما تتوقع الحكومة مزيداً من التقليص.
النقص النسبي في عدد السجناء جعل هولندا أكثر اندفاعاً نحو الابتكار، وهو ما جعل الحكومة تستفيد من عدد من سجونها الفارغة، إذ حولت بعضها إلى مساكن لطالبي اللجوء، كما أصبحت بعض الزنازين السابقة للسجناء شققاً سكنية للعائلات.
وتتحدث “نيويورك تايمز” عن أحد السجون، الذي تحول لمأوى للاجئين، وهو سجن دي كوبيل بمدينة هارلم، وفيه أصبح اللاجئون يلعبون كرة القدم في فناء داخلي كبير، تمت مضاعفة مساحته كملعب لكرة القدم. ولدى بعض السجون التي تم تحويها أيضاً صالاتٌ للألعاب الرياضية ومرافق مطبخية وحدائق في الهواء الطلق.
ولجعل اللاجئين يشعرون بأنهم في منازلهم أكثر، في سجن سابق بمدينة هوغيفين شمال شرقي البلاد، أزالت السلطات الجدران العالية الخارجية والأسلاك الشائكة، وأعادت تجهيز أبواب الزنازين السابقة حتى يتمكنوا من فتحها من الداخل والخارج.
ونقلت “نيويورك تايمز” عن جان أنهولت، وهو مُتحدّث باسم الوكالة المركزية لاستقبال طالبي اللجوء، قوله إن الوكالة تولي عناية خاصة كي لا تقوم بإيواء سجناء سياسيين سابقين في الزنازين، ما لم يشعروا بأن ذلك مُريح، حيث قال “نحن نريد أن يشعر الناس بالأمن والأمان”.
تأجير السجون
ويبدو غريباً أن تقدم دولة على تحصيل الأموال من سجونها المنتشرة في البلاد، على عكس الدول الأخرى التي تتكلف مزيداً من النفقات على الأعداد الكبيرة لنزلاء السجون.
تحولت سجون هولندا إلى مصدر للمال في وقت إجراءات التقشّف؛ وتمكّنت الحكومة من جمع أموال من التعاقد الخارجي بتوفير سجونها الخالية للبلدان ذات مرافق الاحتجاز المكتظة بالنزلاء.
وقبل عامين وافقت النرويج على دفع نحو 25 مليون يورو (ما يعادل 27 مليون دولار أميركي، بحسب سعر العملة الحالي) لهولندا سنوياً نظير استئجار سجن نورجرهافن لمدة ثلاثة أعوام، وهو سجن ذو إجراءات أمنية مُشددة، أرسلت إليه النرويج 242 سجيناً. وفي وقت سابق؛ أرسلت بلجيكا نحو 500 سجين عبر الحدود.
وفي سجن نورجرهافن، الذي يمكن لبعض السجناء فيه تربية الدجاج وزراعة الخضراوات، يعيش المدانون النرويجيون تحت رقابة إدارة نرويجية وحراسة هولندية.
واللافت أن في هولندا فقط 35 شخصاً بالغاً يقضون عقوبة السجن مدى الحياة، وتم نقل هؤلاء السجناء إلى زنازين مريحة، مزوّدة بمساحات للعمل وتلفزيونات، لكنهم لم يكونوا سعداء للغاية بشأن هذا، وقاموا برفع دعوى قضائية، ولكنهم لم ينجحوا في عرقلة الخطوة، وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وبعد زيادة عدد نزلاء السجون في التسعينات تحتجز هولندا في الوقت الراهن حوالي 61 شخصاً بين كل 100.000 شخص، وهو معدل مماثل لنظيره في البلدان الاسكندنافية، وفقاً لبيانات تم جمعها مؤخراً من قبل معهد أبحاث السياسات الجنائية في مدينة بيركبيك، وجامعة لندن. أما في الولايات المُتحدة فيصل ذلك العدد إلى 666 شخصاً، هو بين أعلى المعدّلات في العالم.
ليس الجميع سعداء
رغم أن هولندا تعتبر سجونها الفارغة مفخرة لها، إلا أنه -بحسب نيويورك تايمز- فليس الجميع في هذا البلد مبتهجاً، بما في ذلك العديد من حرّاس السجون الذين يبلغ عددهم تقريباً 2.600، والذين قد يخسرون وظائفهم في السنوات الأربع المقبلة إذا تم إغلاق المزيد من السجون.
في حين يخشى بعض مسؤولي إنفاذ القانون من أن تكون زيادة عدد الزنازين الشاغرة، أحد أعراض ضعف الشرطة والإبلاغ عن عدد أقل من الجرائم، بدلاً من أن يعتبر انعكاساً للبراعة الهولندية في مكافحة الجريمة.
فرانز كاربو، وهو مسؤول بارز لدى اتحاد النقابات الهولندي (FNV)، يعتقد أن إغلاق السجون كان نتيجة لسياسات غير فاعلة، ولا ترغب في الإنفاق، حيث قال: “إذا أغلقت سجناً الآن ستضطر لفتحه في غضون سنوات قليلة”.
ومع مواجهة حكومة يمين الوسط بزعامة رئيس الوزراء، مارك روتا، لمحاولة إعادة الانتخاب الصعبة في وقت لاحق من هذا العام، كان المسؤولون حريصين على ألا يبتهجوا بكثرة الزنازين الشاغرة.
“لم يكن فقدان الكثير جداً من الوظائف هو شغلنا الشاغل” هكذا قال جاب أوستيرفير، وهو متحدث باسم وزارة الأمن والعدل، التي تُشرف على نظام السجون الفيدرالي.
فهذا الفائض من الزنازين الشاغرة -بحسب ما أضاف- “خبر جيد وسيئ في نفس الوقت”.
أضف تعليق