مثل حكاية الفلاحة التي كانت تحمل سلة البيض فوق رأسها، وكانت تحلم بدنيا الأماني وهي تسير في طريقها إلى بيتها، كانت تحدث نفسها بأن البيض سيتحول إلى صيصان، وستكبر الصيصان لتصبح دجاجاً، وستبيع الدجاج وتشتري مزرعة وستربي الأغنام… وهكذا ظلت تمضي بأحلام الثراء الوردية، وفي لحظة تعثرت وانكسر البيض وتبددت الأوهام عن واقع كان أقوى منها، هكذا كان مشهد أعضاء الحكومة قبل أسبوعين وهم يقفون على منصة مركز جابر وتلتقط لهم الصور الإعلامية التذكارية بشكل دعائي متواضع، كأنه يدعو إلى شراء سيارة فاخرة من دون دفعة أولى، وهم يعلنون رؤية الكويت لعام 2035.
خطة بيض الفلاحة الإستراتيجية تتحدث عن الدجاج الذي سيكثر في “.. زيادة الناتج المحلي، ورفع مستوى معيشة المواطن ورفع معدلات النمو الاقتصادي للقطاعات غير النفطية….”، ثم تمضي الفلاحة في سردها لتتحدث بكلام أكاديمي لربما يصعب عليها وعلى جمهورها استيعاب دلالاته، مثل “بناء الإنسان الكويتي ومكوناته..”، وتنتقل حكومة خطة البيض لتحاضر المستمعين عن الوضع التنموي واختلالاته ودور القطاع الخاص، وكأنه يوجد حقيقة قطاع خاص ناشط لا يتبع الإنفاق الحكومي.
وتظل الفلاحة تشرح الأوضاع وتسوق الآمال العريضة عن الغد الجميل القادم، وكأننا فجأة نشاهد “سوبرمان” حكومياً يسبق الزمن، ويطير بأسرع من الضوء ليعدل الأوضاع المقلوبة من عقود طويلة ومن لحظة إنتاج وتصدير أول برميل نفط ووضع أولى ركائز الاقتصاد الريعي الفاسد، وبناء إمبراطورية الواسطات والمحسوبيات والاتكالية، وتدمير قيم العمل والإنتاج الحقيقي، وتغييب حكم القانون ودولة المؤسسات، وتحت شعار “من صادها بالاول عشى عياله”.
قبل أن تتعثر الفلاحة، لابد من تذكر حكمة “فاقد الشيء لا يعطيه”، وحكوماتنا من عقود ممتدة ومنذ نهاية ستينيات القرن الماضي، كي نكون منصفين مع هذه الحكومة تحديداً، هي كما كانت وستبقى على حالها، بحكم “فرض” نوعية تشكيلاتها على الدولة، ونهج الاختيار فيها الذي يتم بخيار إما زيد وإما عبيد ولا ثالث لهما، وليس على الناس (الشعب) غير القبول بهذا القدر، أي قدرهم مع زيد اليوم وغداً مع عبيد.
كم نتمنى ألا تتعثر الفلاحة وينكسر البيض، وهذا البيض ليس غير أطفالنا وقلقنا المشروع على مستقبلهم، إلا أن خبراتنا الماضية تؤكد المرة تلو الأخرى بيت متنبي الحكومة:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
تواضعوا قليلاً مع سلة بيضكم.
أضف تعليق