ليست الأعياد الوطنية مناسبات مهمة لإظهار الفرح والابتهاج فقط، ولكن لتجسيد معاني الانتماء واستعراض مفاخر الوطن، ومثل هذه المفاخر لا تكون إلا بإنجازات تحققها مؤسسات الدولة والشعب؛ وفق آلية ومؤشرات تقيس مستوى هذه الإنجازات مقارنة بالسنوات السابقة، أو بالمنافسة مع الدول والمجتمعات الأخرى.
اليوم نشهد الذكرى الـ56 للعيد الوطني ويوم الاستقلال وكذلك مرور 26 سنة على التحرير من الاحتلال العراقي، أي أننا تعاقبنا بستة أجيال متتالية، منها ثلاثة أجيال في عهد ما بعد التحرير، وإذا استعرضنا وضعنا الحالي وفق مؤشرات التنمية البشرية نجد حالنا في خطر لا يقل عن خطر الغزو الذي هدد وعصف بكامل وجودنا.
مؤشرات التعليم باتت عندنا الأسوأ منذ إنشاء مدرسة المباركية عام 1911، ومؤشرات الصحة تعكسها حقيقة أن مصاريف العلاج بالخارج تجاوزت ميزانية وزارة الصحة برمتها، أما مؤشرات الفساد فحدّث ولا حرج، فقد استقررنا في قاع منظومة مجلس التعاون وفي الحضيض على مستوى العالم، والمفاجأة أن هيئة مكافحة الفساد طلعت “فالصو” فأبطلتها المحكمة لأنها شرعت بطريقة فاسدة، وبعد إعادة تشكيلها يلاحق مجلس أمنائها بشبهات الفساد!
سياسياً وبعد التحرير، شهدنا أكثر من عشرة انتخابات عامة وعشرين حكومة، وما زالت حالة الفوضى والارتباك سيدة الموقف، وأفضل بشارة سياسية زفها رئيس مجلس الوزراء للمواطنين مؤخراً هي فشل خطة التنمية التي تم رصد 36 مليار دينار لها في عام 2010! وبدلاً من تصدي مجلس الأمة لهذه الكارثة نجد التراشق النيابي والتهم المتبادلة والمؤتمرات الصحافية لنواب ضد نواب، ولأول مرة منذ التحرير صار لدينا سجناء رأي وملاحقات سياسية وقيود أمنية على مواطنين كويتيين!
النسيج الوطني الذي رسم أحلى لوحة في الإيثار والمحبة والهوية الكويتية الواحدة أثناء الاحتلال أصبح اليوم في غاية الهشاشة، وما زال ينزف وأوصاله تقطع ليس من الحكومة هذه المرة، إنما من الكويتيين أنفسهم، فكل فئة أو تيار أو حتى الأفراد أنفسهم صاروا يحددون معنى المواطنة، ويصدرون صكوك الولاء الوطني، لدرجة لم تسلم أي فئة أو طائفة أو قبيلة من التشكيك والإقصاء في مشهد تفوح منه رائحة الطائفية النتنة والقبلية المزكمة والفئوية القبيحة، وقد تركت الحكومة الحبل على الغارب ما دام الناس يأكل بعضهم بعضا، وصدر قانون الوحدة الوطنية كمجرد ديكور للتباهي دون أن يكون له أي قيمة أو طعم أو رائحة!
الحكومات المتعاقبة منذ عام 1992، وكذلك التيارات السياسية، والنخب الفكرية والاجتماعية، فشلت فشلاً ذريعاً في بناء هوية كويتية يلتحم الجميع فيها، وحتى التخطيط الإداري أو الفكر التنموي اللذان طالما تميزت بهما الكويت صارا من الماضي البائد، وأخيراً بدأنا، كأغنى بلاد العالم، نقترب من حافة الإفلاس المالي، وبعد العجز المتتالي بدأنا نأكل من اللحم الحي، ونستنزف استثماراتنا التي جمعناها طوال نصف قرن لنصرفها في سنوات عجاف قليلة قادمة.
للكويتيين كامل الحق في الاحتفال بالأعياد الوطنية، ولعل ذلك من المناسبات القليلة للفرح والسعادة، ولكن لنضع أمام أعيننا حقيقة أحوالنا بكل جدية، وبعيداً عن الشعار السياسي “الله لا يغير علينا”!
أضف تعليق