بعد الزيادة في أسعار الدواء التي أقرّت في بداية العام الجاري، رأى مصريّون كثر أنفسهم مدفوعين في اتجاه علاجات طبية بديلة قد تكون خطرة
الأعشاب الطبية في مصر أو ما يُصطلح على تسميتها “الطب البديل”، تشهد تزايداً في الإقبال خلال الفترة الأخيرة. ويلجأ المواطنون الفقراء وأصحاب المداخيل المتوسطة إليها، هرباً من الارتفاع الجنوني المستمرّ في أسعار الدواء، وآخره ما أعلن عنه وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين راضي في يناير/ كانون الثاني الماضي.
ويندفع كثيرون نحو المجهول، في ظل الارتفاع الذي وصل إلى 200 في المائة لبعض الأصناف. في السياق، يؤكّد معنيّون بالتداوي بالأعشاب أنّ ثمّة إقبالاً من قبل المواطنين على شراء الأعشاب، للتداوي من أمراض كثيرة، خصوصاً بعد الارتفاع الكبير في أسعار الدواء واختفاء أصناف كثيرة منها. أمّا الأطباء، فيحذّرون من التمادي في ذلك، خصوصاً بعد طرح أعشاب كثيرة غير صالحة للاستخدام البشري، في الأسواق. بالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ تناول ما يسمّى بـ”أعشاب الرصيف” بكميات كبيرة يؤدّي إلى التسمّم وربما إلى وفاة مستهلكها. وتوقّع أطباء كثر توسّعاً في رقعة انتشار تلك الأعشاب الفاسدة في الأيام المقبلة، فيصبح المواطنون بالتالي بين نارَين، إمّا الأدوية بأسعارها المرتفعة وإمّا الأعشاب غير الصالحة للاستخدام البشري.
مصريون كثر من محافظات عدّة، استغاثوا سواء عن طريق شكاوى رفعوها أمام المسؤولين المعنيين أو عبر إبلاغ أعضاء مجلس النواب في دوائرهم، مطالبين بإنقاذهم. فاختفاء الأدوية من المستشفيات والصيدليات يهدّدهم، وكذلك ارتفاع أسعار بعض المتوفّر في السوق السوداء. فمرضى كثر توفوا من جرّاء ذلك، لا سيّما الأطفال من بينهم (نتيجة نقص الألبان) وكبار السنّ والذين يعانون من أمراض مزمنة مثل الفشل الكلوي والسكري. ولأنّهم لم يتلقّوا أيّ ردّ على تلك الشكاوى، لجأ عدداً كبيراً منهم إلى الطب البديل لإنقاذ حياتهم وحياة أطفالهم.
قامت “العربي الجديد” بجولة على محلات العطارة في منطقة وسط القاهرة التي تبيع الأعشاب الطبية مؤكدة أنهّا تملك العلاج النافع لكلّ الأمراض. فيقول سامي حراز، أحد أصحاب المحال، إنّ “المهنة متوارثة أباً عن جَدّ، وثمّة مرضى كثيرين يأتون حاملين نتائج التحاليل والأشعة. فيُحدَّد لهم العلاج اللازم”. ويشير إلى أنّه “في حال كان الطب الحديث يتقدّم ويحقق انتصارات، فإنّ التداوي بالأعشاب ما زال راسخاً ومتقدماً”. ويوضح أنّ “عمر طب الأعشاب خمسة آلاف سنة، وقد عرف التاريخ الإسلامي كوكبة من مشاهير الأطباء العلماء في طب الأعشاب، على رأسهم الرازي”. يضيف أنّ “التداوي بالأعشاب حلّ مشاكل أمراض معقّدة من دون تأثيرات سلبية على أيّ من أعضاء أخرى سليمة في الجسم، شريطة استخدامها بطريقة علمية صحيحة”. ويحذّر من “خطورة أعشاب الرصيف، إذ إنّها معدّة بطريقة بدائية وليس على أسس علمية”. أمّا علي محمود وهو بائع في واحد من أشهر محلات منطقة الحسين، فيقول إنّ “الطلب على الأعشاب تضاعَف في الفترة الماضية”، مشدّداً على أنّ “العلاج بالطبّ البديل ليس نَصْباً ولا دَجَلاً كما يروّج بعضهم. وهو غير ضار بالصحة كما يقول الأطباء، إذ تخلو المنتجات من أيّ مواد ذات تأثيرات جانبية”.
في السياق، يقرّ أستاذ طب الباطنة في جامعة الأزهر، الدكتور محمد مهران، بمشكلة ارتفاع أسعار الدواء، لافتاً إلى أنّها “تطاول أكثر من 50 مليون مواطن في مصر. ولهذه المشكلة آثار سلبية خطيرة على صحة كثيرين سوف يتوجّهون إلى محلات العطارة للتداوي بالأعشاب”. ويؤكّد لـ “العربي الجديد” أنّ “الأعشاب لا يمكنها أن تُغني عن العلاج الأساسي للمرض. كذلك، فإنّ تناولها قد يؤدّي إلى الإصابة بأمراض خطيرة تنتهي بوفاة الشخص المعني”.
ويوضح مهران أنّ “ثمّة أكثر من 200 ألف نوع من الأعشاب في مصر، لها آثار ضارة. ومن تلك الآثار، سرطان القولون”. يضيف أنّ “البائعين المتجوّلين وأصحاب محلات العطارة يبيعون ويروّجون لبضائع مجهولة المصدر في قلب العاصمة القاهرة. وهي بالتالي لا تخضع إلى الرقابة وقد تكون منتهية الصلاحية أو غير مسموح استخدامها، الأمر الذي يُعدّ تهديداً للصحة العامة ويفتح الباب واسعاً أمام الأسواق العشوائية والمنتجات غير المطابقة للمواصفات”.
من جهته، يؤكد أستاذ الطب الوقائي في جامعة عين شمس، الدكتور محمد توفيق، أنّه “في الفترة الحالية نشهد بالفعل إقبالاً متزايداً من قبل المرضى على ما يُسمّى بالطب البديل والأعشاب التي تنتشر إعلاناتها عبر القنوات الفضائية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي”. ويلفت لـ “العربي الجديد” إلى أنّ “يأس المرضى بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار الدواء، فراحوا يطرقون أبواباً أخرى بحثاً عن علاج. لكنّه لا بدّ عليهم أن يدركوا أنّ هذه الوسائل قد تودي بحياتهم، خصوصاً الخلطات ذات المكوّنات المجهولة”. ويشرح توفيق أنّها قد تسبّب “تليّف الكبد أو العقم أو الفشل الكلوي، وكثيرة هي الأبحاث الطبية التي تؤكد خطورتها على الصحة العامة وتعدّها بمثابة سموم جاهزة”. ويطالب “الجهات المعنية بعدم السماح بدخول أيّ أدوية عشبية إلى البلاد إلا بعد فحصها والتأكد من أنّها لا تمثل ضرراً على الصحة العامة، بالإضافة إلى فرض عقوبات رادعة على تجارها. إلى ذلك، لا بدّ من حملات توعية في وسائل الإعلام والمدارس، حول مخاطر شراء منتجات غير خاضعة للإشراف الصحي والطبي”.
إلى ذلك، يؤكد طلعت محمود وهو صيدلاني، أنّ لجوء المرضى إلى الطب البديل ازداد بالفعل خلال الأشهر الماضية، بعد الارتفاع المستمر في سعر الدواء واختفاء أصناف عدّة. ويقول لـ “العربي الجديد”: “نحن أمام ظاهرة تهدّد حياة كثيرين، فتجارة الأعشاب كأدوية ليس لها أيّ سند قانوني أو علمي، ولا تتوفّر رقابة فعالة من قبل الجهات المعنية على محلات العطارة”. بالنسبة إلى محمود، فإنّ “العودة إلى الطبيعة لا تتعارض مع العلم، لكنّها لا بدّ من أن تستند إلى أسس علمية وطبية متفق عليها”. يوافق ناصر السيد وهو صيدلاني كذلك، رأي زميله، ويقول إنّ “ثمّة ضعفاً في الإقبال على شراء الأدوية في صيدليات كثيرة في مصر، بسبب غلاء الأسعار في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها مصريون كثر”. يضيف لـ “العربي الجديد” أنّ “عدم وجود قوانين تحكم ممارسة هذه المهنة (طب الأعشاب) سوف يؤدّي إلى تعرّض المواطنين للأذى المادي والصحي”.
هذا هو القرار الأخير
بعد مفاوضات طويلة مع شركات الأدوية على خلفيّة زيادة تكلفة إنتاج الدواء واستيراده، أعلنت وزارة الصحة والسكان المصرية في بداية هذا العام رفع أسعار 25 في المائة من الأصناف المتداولة، من بين أكثر من 12 ألفاً. وتراوح نسبة زيادة الأدوية المحلية بين 30 و50 في المائة، فيما تأتي زيادة المستوردة بين 40 و50 في المائة.
أضف تعليق