ماذا يريد العرب؟.. سؤال يمكن طرحه وذلك بصفتهم الكتلة الأكبر في الإقليم العربي والممتدة من شمال إفريقيا للخليج وللبحر المتوسط. هذه الكتلة العربية المكونة من مئات من الملايين منتشرة في مجموعة من الدول العربية تعاني النفي والضياع.
فالعرب كجماعة قومية مستهدفون إن سعوا لوحدة أو تجمع لصالح الحقوق أو لنهضة.
لقد تميزت علاقة هذه المجتمعات مع نفسها بالتناقض، فتارة تبدو صانعة للجديد وتارة تخرج من التاريخ برمته. لقد عاد العرب للتاريخ على سبيل المثال مع حدث مدمر كالحادي عشر من سبتمبر، لكنهم خرجوا منه بسبب دموية الحدث وردود الفعل عليه، وعادوا للتاريخ في ثورات 2011، لكنهم خرجوا منه بعد ذلك بفضل الثورة المضادة.
في ظل غياب المشروع العربي وتراجعه أصبحت التبعية للدول الكبرى ومصالحها من جهة، وازدادت ضعفاً أمام الصهيونية وأمام دول من الإقليم كإيران وتركيا. لقد تحول العرب في ظل دولهم الوطنية لشعوب تتصارع عبرها كل قبيلة وفئة وطائفة مع الأخرى، إنهم كتلة كبيرة يوشك التاريخ أن يغلق أبوابه عليهم إلا إذا صنعوا مخرجاً لضياعهم عبر نموذج متقدم وعمل جماعي.
الفراغ العربي نتاج لضعف علوم العرب وإداراتهم وإنتاجهم وثقتهم بأنفسهم، وهو نتاج الاستبداد والمركزية.. في ظل غياب العرب عن التاريخ ارتفعت نسب الخوف من إيران بينما نعتمد على تركيا خوفاً من روسيا وإيران، وسنخضع لرؤى أميركية خوفا من مزيد من التراجع. ألم نفقد سوريا والعراق واليمن والسودان بسبب غياب المشروع وبسبب الديكتاتورية وحماقة السياسات المحلية. ان تقوم إدارة ترامب بمنع رعايا 7 دول عربية من دخول أراضيها رسالة للقيمة التي وصل إليها العرب في عصرهم الراهن.
ولو كان التاريخ مدرسة نتعلم منه قد يؤدي الفراغ الذي عم الجزيرة العربية قبل نشوء الإسلام هو الأقرب للفراغ الذي يمروا به في هذا العصر. في ذلك الزمن خاضت أراضي هذا الاقليم حروب الدولة الفارسية والبيزنطية. كما أصبح الاقليم مكانا للظلم واللاعدالة، لهذا برز الإسلام عند العرب ونجح في بناء قوة مركزية تاريخية أخرجت منطقتنا في القرن السابع الميلادي من حالة التآكل والتجاذب. ذات الظروف، وان من زوايا مختلفة، أعيد تشكيلها ثانية في زمن الصليبيين مما أنتج قوة مركزية ثانية على يد صلاح الدين. ومنذ سقوط الدولة العثمانية المركزية والعالم العربي يسعى عبر سلسلة محاولات كان أهمها سعي الرئيس المصري عبدالناصر لبناء مشروعه العربي الذي لم ينجح.
المسألة العربية تعني كل العرب وكل من يحيا في الدائرة العربية من كرد وأمازيغ واشوريين، لهذا فتحرر العرب تحرر لهم خاصة إن تم التعامل مع كل من يرتبط بالدائرة العربية على قاعدة المواطنة الكاملة والعدالة والمساواة. ان نجاح العرب في بناء مشروع جوهره سلوكيات ديمقراطية ومؤسسات حديثة ورؤية قومية وارتباط ثقافي بالعالم كما وبالمكون الحضاري الإسلامي( في إطار الحريات) سيتحول لقوة لمواطني هذا الاقليم.
وتحاول قوى عديدة استغلال الفراغ الذي يتركه العالم العربي لفتح الباب أمام سيطرتها. لهذا تحاول داعش وتجتهد لصنع دولتها التي صنعت بسبب عنفها وبسبب تعصبها ولا ديمقراطيتها، وتحاول الثورة المضادة المكونة من جنرالات وجيوش ونخب، لكنها تحاول الحفاظ على امتيازات قديمه لم يعد بالإمكان الحفاظ عليها، وحاولت إيران ومازالت ملء الفراغ، لكنها تواجه تحديات جمة لأنها تفرض منظورها وفق مصالحها الضيقة، كل هذا يقع بسبب غياب قوة عربية مركزية تخرج العربية من تبعيتها لكل شعوب الأرض دولة، المقصود دولة تحميها من ظلم الدول الاخرى، وتحميها من التفتت والتردي، وتحميها من اللاعدالة والظلم، لكن العرب على كثرة أوطانهم الوطنية فقدوا الوطن الحاضن المطل القادر على استيعابهم.
أضف تعليق