أقلامهم

التناقض السياسي وفاكهة الطماطم

الطماطم أو البندورة أو الأوطة، أو كما نسميها بالكويتي «الطماط»، تصنف علمياً كنوع من أنواع الفاكهة… نعم تصنف من الفواكه وليست من الخضار. وعلى الرغم من أنها فاكهة إلا أنني لم يسبق لي أن رأيت حبة طماطم تتربع فوق طبق من الفاكهة، ولكن من الطبيعي أن نراها مع الخضار في السلطة أو في الأطباق الرئيسية أو كمكون أساسي للـ «دقوس» الكويتي الأصلي.

هذا التناقض الذي تعيشه فاكهة الطماطم يشابه بشكل أو بآخر الوضع السياسي في الكويت… فحسب النص الدستوري للمادة -6- فإن نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً. والمادة -50- تنص على أن نظام الحكم يقوم على أساس فصل السلطات مع تعاونها. والدستور نفسه يقر بأن معظم أعضاء السلطة التنفيذية أو الحكومة يعينون ولا يتم انتخابهم أو اختيارهم بطريقة ديموقراطية. كما أن الدستور يقر بأنهم أعضاء في البرلمان بحكم وظائفهم؛ أي بالسلطة التشريعية، ويحق لهم التصويت على اقتراحات القوانين ويحق لهم التصويت لاختيار رئيس السلطة التشريعية، أي أنهم سلطة تنفيذية بمهام تشريعية!

كذلك يأتي التناقض الواضح الذي يعيشه بعض البرلمانيين من النواب، فرغم الحق الأصيل الذي كفله لهم الدستور بتشريع القوانين ومحاسبة الحكومة، إلا أنّ بعضهم يستحسن ويفضّل أن يمارس دور الشخصية العامة التي تناشد وتتوسل المسؤولين لحل بعض القضايا، والأمثلة على ذلك كثيرة.

وبما أننا في هذه الأيام ننتظر ما سيؤول إليه مصير اقتراح تنقيح المادة -79- من الدستور، فمن المناسب أيضا أن نفكر في التناقض الكبير في شخصيتنا السياسية، فهل نحن نعمل فعلا بالنصوص الدستورية والقوانين التي تنظم العمل المؤسسي، أم نريد تشكيل هيئة عليا من المشايخ تكون فوق الدستور لتنظم حياتنا اليومية وتقرر أي القوانين متوافق مع أحكام الشريعة؟

وكما هو الحال في الوضع السياسي، فليس الوضع الاقتصادي أفضل. فالكويت لديها نظامها الاقتصادي الفريد من نوعه، حيث أوضح الخبير الدستوري عثمان خليل عثمان في محضر الجلسة 19 للمجلس التأسيسي طبيعة النظام الاقتصادي، وذلك رداً على سؤال عن نوع النظام الاقتصادي الذي ستنتهجه الدولة، وهو ما لم توضحه المواد الدستورية، عندما قال «إن النصوص تؤيد الملكية الفردية وهذا يعني أن المالك حر في التملك، ولكن ليس ذلك على حساب المصلحة العامة بل يمكن للدولة أن تضع نصوصاً وحدوداً في شأن الملكية الفردية، فإذاً المراد هو أن نأخذ بالاشتراكية المعتدلة».

أي أن النظام الاقتصادي خليط وليس واضح المعالم. وبالرغم من أن هذا النظام الفريد من نوعه قد يكون مناسباً في ذلك الوقت، بل لعله يتفق مع توجهي ومع مصالح الفئات الشعبية والطبقة الوسطى، إلا أنه من المهم أيضاً أن يكون النظام الاقتصادي واضحاً ومحدداً ومفصلاً، وهذا ما لم يتم حتى يومنا هذا.

الحقيقة أن هذه التناقضات وغيرها تحتاج منا اليوم أن نراجعها، فدستور 62 كان من المفترض أن تتم مراجعته بعد خمس سنوات من إقراره، وها نحن اليوم بعد 55 سنة من إقراره مستمرون عليه من دون مراجعة… وأصبح من المهم جداً مراجعته حتى لا نعيش في أزمة التناقضات ونصبح مثل عصير الطماطم «لا هو عصير ولا هو دقوس»!

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.