قضية الجناسي كانت وستبقى ورقة سياسية تحركها تكتيكات الحكومة متى شاءت وكيفما شاءت، ولا أتوقع أن تطوى هذه الصفحة في القريب العاجل أو من جذورها، لأن ضرعها ما زال غنياً باللبن الذي يتعطش له الجميع، سواءً من المؤيدين لسحب جناسي خصومهم أو أصحاب الشأن والمدافعين عنهم.
حفلة الزار التي أعلنها بعض النواب والتبريكات التي أهدوها مبكراً ليست سوى شماعة إعلامية لتسويق نجاح الصفقة السياسية الرخيصة التي تعهدوا في مقابلها بتحصين رئيس مجلس الوزراء من المساءلة طوال الفصل التشريعي، هذه البيعة “الردية” في الحقيقة لا تعني تحصين الحكومة وإعطاءها الضوء الأخضر لتسرح وتمرح بلا حسيب أو رقيب فحسب، بل رفع الراية البيضاء لترويض مجلس الأمة لطوع إرادتها بدليل الاستقواء السريع للحكومة في تأجيل تعديلات الانتخابات والجنسية، والفيتو الذي أعلنه وزير العدل على قانون الصوت الواحد وقانون المسيء. هذا الانبطاح السياسي المفاجئ حلقة جديدة من محاولات تفريغ المجلس من محتواه، فمبادرة نواب يفترض أنهم يمثلون سلطة دستورية أصلية في الإعلان الصريح عن التخلي عن أداة المساءلة تطفل علني وجريء لإضعاف هيبة مجلس الأمة ونزع صلاحياته الدستورية، وكان أضعف الإيمان إعلان تهدئة مشروطة مع الحكومة في مقابل خطوات عملية وواضحة في معالجة الملفات التي شكلت الرأي العام في الانتخابات الأخيرة، وأوصلت هؤلاء النواب إلى مقاعدهم الحالية، وتحديدها في مدة زمنية محددة كنموذج لمبدأ التعاون وإظهار هيبة المجلس ومصداقيته.
هناك بعد خطير آخر في الصفقة المشبوهة، وهو السعي إلى قتل المجلس الجديد سياسياً وفي بداية عهده التشريعي، فقد كان مؤشر استجواب وزير الإعلام، وسرعة بعض النواب في تقديم القوانين الإصلاحية ذات التأييد الشعبي بمثابة عودة الروح إلى مجلس الأمة، وتعديل انحرافات المجالس السابقة، ومتنفس جديد لفتح ملفات الفساد، حيث كانت الأغلبية المريحة واضحة لإنجاز هذه القضايا، لذا فإن تنصل مجموعة من النواب تحت ذريعة تحقيق بطولة إما وهمية أو صغيرة لو تم تحقيقها في إرجاع عدد محدود من الجناسي من مسؤوليتهم الدستورية هو لتخريب هذه الأغلبية.
لكن دائماً هناك حلول، ولكشف هذه اللعبة فإن المسؤولية ستتضاعف على النواب الذين ثبتوا أسماءهم ومواقفهم على مسطرة المبادئ، ومن يقف الرأي العام الكويتي الغاضب الذي أفرز المجلس الحالي خلفهم، فمن ناحية نتأمل وبثقة كبيرة أن يتمسك هؤلاء النواب بالقوانين الإصلاحية التي تقدموا بها أو الإسراع في استكمال ما تبقى منها، ومن جهة يفترض إحياء المساءلة السياسية أولاً لحفظ وتحصين وتأكيد هذا الحق الدستوري الأصيل وعدم السماح ببيعه سياسياً، وثانياً والأهم هو كشف بقية النواب وخصوصا “البياعة” ليسمع أهل الكويت حقيقة تبريراتهم وتملصهم من وعودهم الانتخابية في محاربة الفساد، ليس من خلف الأبواق الإعلامية إنما تحت قبة البرلمان!!
أضف تعليق