الحرس الثوري الإيراني يتدخل في شؤون 14 دولة في المنطقة خلال العقود الثلاثة الماضية، وأنفق 100 مليار دولار على عملياته في سوريا وحدها، هذا ما كشفته دراسة أوروبية أجرتها منظمتان حقوقيتان مقرهما بروكسل، وشرحت بالتفصيل أشكالا ودرجات متنوعة من التدخل وتمويل الجماعات الإرهابية لتحقيق أهداف النظام الإيراني التوسعية، وأوضحت أن تدخلات إيران وخاصة في العراق وسوريا واليمن ولبنان زادت منذ بدء المفاوضات بشأن برنامجها النووي مع القوى العظمى.
هذه المعلومات ليست صادمة وليست مفاجأة وليست جديدة لكل من ذاق الأمرين من السياسة التوسعية للنظام الإيراني، وبعيداً عن الإشارات الإيجابية التي بدأت تظهر من واشنطن من أن إدارة الرئيس دونالد ترمب قد تكون على وشك وضع الحرس الثوري في اللائحة السوداء كمنظمة إرهابية، فهي بالتأكيد ستكون محرجة لكل من لا يزال مؤمناً بأن حواراً هادئاً عقلانياً بين دول الخليج وبين طهران من الممكن أن يساهم في تخفيف التوتر في المنطقة، لكل من يضع دول الخليج وإيران في كفتين متوازيتين، دول تبحث عن تنمية شعوبها واستقرار المنطقة، وثورة في شكل دولة تزعزع الاستقرار وتنشر الإرهاب في كل مكان، ثم يتم مكافأتها بحوار يعزز سياستها العدوانية.
يقول ستروان ستيفنسن رئيس الجمعية الأوروبية لحرية العراق والذي أجرت منظمته الدراسة «الحرس الثوري يهرب الأسلحة والذخيرة وقوات مسلحة وحاويات مليئة بالمعدات العسكرية إلى اليمن وإلى تنظيمات تقاتل بالوكالة لنشر الحروب والصراعات في الشرق الأوسط، هذه أدلة تظهر أن النظام الإيراني يستخدم الحرس الثوري لنشر الإرهاب في المنطقة، ومن المهم أنه يتيح إدراج هذه القوات على قوائم الإرهاب»، وهنا مربط الفرس، فالمعضلة الأساسية في الخلاف مع إيران ليس مع شعبها ولا حتى مع حكومتها محدودة الصلاحيات ولا برلمانها الذي تسمع جعجعته ولا ترى له طحيناً، وإنما في الأساس مع حرسها الثوري الأداة التي تستخدمها الثورة الإيرانية للتوسع في كل دولة يمكن لها ذلك، كما يقر دستورها، الحرس الثوري المرتبط مباشرة بالمرشد الأعلى علي خامنئي مما يعطيه القوة والحصانة أقوى من الجيش الإيراني نفسه.
ومن بين الأدلة التي جمعتها الدراسة المشتركة الشاملة من الجمعية الأوروبية لحرية العراق واللجنة الدولية للبحث عن العدالة، استخدام الحرس الثوري شركات وهمية لإدارة 90 ميناء أي ما يمثل 45 في المائة من موانئ إيران بعائدات سنوية تصل إلى 12 مليار دولار. وتتم عملية تهريب الأسلحة من إيران إلى دول مجاورة ثم إلى الميليشيات التابعة لها لزعزعة استقرار دول الجوار، فأي ميليشيا هذه التي أصبحت أقوى من دول وتمارس عملها تحت غطاء قانوني صرف، ثم نتوقع أن إيران جادة في حوارها.
أكبر الرابحين من دعوات الحوار الأخيرة مع دول الخليج هي إيران نفسها، فإن تم فهي مستفيدة بعد أن تستغله للاستمرار في سياستها التوسعية وشراء مزيد من الوقت للحصول على مكاسب أكثر في دول المنطقة، وإن لم يتم فيكفيها تسويق نفسها أمام الغرب بأنها دولة مسالمة ووديعة ولكن هذه الدول الخليجية لا تبحث عن السلام ولا الاستقرار. هل نلوم إيران؟ بالطبع لا فسلوكها العدواني تعدى ذلك بكثير، ربما اللوم لمن يسمح لها بهذا السيناريو الممل والأسطوانة المشروخة مرة بعد مرة بعد مرة.
أضف تعليق