د يكون من المخجل أن نتحدث عن أهمية التعليم وفلسفته ودوره المحوري في غرس الثقافة والتنشئة والحضارة والتنمية البشرية والمستدامة، لكن تصرفات الحكومة وأجهزتها ومستشاريها تبعث على الجنون بكل معنى الكلمة!
نعم الحالة المالية في الدولة ليست وفق مقاييس السنوات العشر الماضية، وميزانية الدولة تراجعت بنسبة 20-30% وأسعار النفط انخفضت بشكل كبير، وباتت سياسة التقشف وترشيد الإنفاق من متطلبات المرحلة الراهنة، لكن العقلية التي يفترض أن تدير هذا التوجه الجديد يلزمها البصيرة والمنطق، فهل من العقل والمنطق أن تتشطّر الحكومة في تقشفها على التعليم وخصوصا التعليم الجامعي؟ ميزانية جامعة الكويت كانت إحدى ضحايا هذا التخبط، وقد أصيبت في مقتل حقيقي بسبب التخفيض الأعمى في قطاعات حيوية لهذا المرفق الأكاديمي، وتحديداً في البحث العلمي والمهمات العلمية والمكتبة الجامعية، فبند تمويل الأبحاث العلمية فقد نحو 70% من مخصصاته في حين قلصت المهام العلمية وهي مشاركة الأساتذة الجامعيين في مؤتمرات وورش علمية عالمية وإقليمية بنحو 60% في حين تتوجه الجامعة إلى إلغاء قواعد البيانات في مكتبتها المركزية، وهي المصادر التي يتم من خلالها ربط الجامعة بأمهات دور النشر العلمي والمجلات التخصصية حول العالم بشخطة قلم.
إذا لم تعلم الحكومة أهمية البحث العلمي ومصادر معلوماته وتشجيعه فهذه كارثة بحق الدولة التي تزعم أن لديها نظرة 2035 الاستراتيجية، أما إذا كانت تدرك معنى عصب المعرفة النابعة من المصادر والمراجع العلمية وآلية عملها فتلك جريمة حقيقية بحق الجامعة وطلبتها وأساتذتها وبحق العلم بشكل عام في عصر العولمة والمعلوماتية الذكية.
وإذا تجاوزنا سطحية الحكومة وعجزها العلمي وعشوائية قراراتها فكيف بمجلس الأمة ولجانه المتخصصة وخصوصا لجنتي الميزانية والتعليمية وبما تمثله هذه اللجان من أعضاء متخصصين ويمثلون الأمة وتطوف عليهم مثل هذه المحطات الخطيرة؟ الأدهى من ذلك كله أن يتم تقليم أظافر جامعة الكويت وأدواتها العلمية باسم التقشف في الميزانية في حين فضائح الهدر في المال العام والهبات المجانية لأصول البلد منتشرة على الملأ، ناهيك عن المعلومات حول الاختلاسات والتجاوزات المالية التي باتت تزكم الأنوف وتصل إلى عموم الناس بالأدلة والمستندات على أجهزة النقال!
لعمل مقارنة سريعة تبسيطا لمعنى هذا التخبط فقط نقول لكل طالب جامعي وولي أمره وأستاذه وعميده ومدير جامعته ووزيره، هل تعلم أن تكلفة المهمات العلمية لأعضاء هيئة التدريس في جامعة الكويت على مدى عشرين سنة قد تصل إلى نصف المبالغ التي أفصح عنها النائب رياض العدساني في جلسة الإيداعات المليونية؟! وهل تعلم أن كلفة قواعد البيانات لمكتبة جابر الأحمد المركزية في جامعة الكويت والتي يستفيد منها 40 ألف طالب وخمسة آلاف من الأكاديميين والإداريين تساوي قيمة مزرعة واحدة فقط من مئات المزارع التي تم توزيعها بدون وجه حق في الوفرة خلال العام الماضي فقط؟! أما آن الأوان لقليل من الحياء والخجل؟!
أضف تعليق