يقول المخرج الإيطالي فيديريكو فليني “الذهاب إلى السينما أشبه بالعودة إلى الرحم .. فأنت تجلس هناك ساكنا متأملاً في الظلام تنتظر الحياة لتظهر على الشاشة” لذلك ليس غريبا أن يفتن الكويتيون المحبون للحياة والفنون بهذا الفن الساحر.
لطالما كانت الكويت منذ نشأتها منارة للفنون المختلفة لما كانت تتمتع به من موقع جغرافي يتوسط حضارات مختلفة واستقطابها لبشر انتقلوا اليها من بلدان مختلفة حاملين ثقافاتهم وفنونهم التي زاوجوها بالثقافة والفنون الكويتية.
ومن هنا ولد أول فيلم “تسجيلي” عن الغوص وصيد اللؤلؤ وبعض الملامح الاجتماعية للكويت عام 1939 على يد سائح استرالي يدعى ألن فليرز بعنوان (أبناء السندباد) ليعقبه أول مخرج كويتي وهو محمد قبازرد الذي كان من أوائل الكويتيين ممن يملكون كاميرا للتصوير السينمائي في بداية الثلاثينات وصور وأخرج أول فيلم له بعنوان (الكويت بين الأمس واليوم) عام 1946 لتتوالى بعدها الأفلام والتي كان أغلبها ذا طابع تسجيلي يوثق جوانب الحياة المختلفة.
وكان من الملاحظ أن عددا من وزارات الدولة اهتمت بانشاء قسم للسينما مثل وزارة التربية والتي انتجت العديد من الأفلام التعليمية عن طريق هذا القسم وكذلك وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وصولا الى انشاء قسم مختص بالسينما في وزارة الاعلام الكويتية.
وكان الفيلم الكويتي الشهير (بس يا بحر) لمخرجه خالد الصديق عام 1972 نقطة تحول في تاريخ السينما الكويتية والخليجية كأول فيلم روائي طويل يقاس عليه تاريخ الكويت سينمائيا في مختلف دول العالم كما جرى عليه العرف خصوصا مع تحقيقه نجاحات متعددة عربيا ودوليا ورغم ذلك ظلت السينما الكويتية “خجولة” لم تحقق جماهيرية عالمية أو إقليمية رغم توافر الإمكانيات والقدرات الاخراجية.
ولاستطلاع اراء المختصين بهذا الشأن توجهت وكالة الانباء الكويتية (كونا) إلى عدد من المهتمين الذين يسعون وبقوة للعب دور على شاشة السينما الكويتية الحديثة.
من جانبها قالت مؤسس الفرقة الفنية الأولى ورئيس شركة دار اللؤلؤة للانتاج الفني الشيخة انتصار سالم العلي الصباح انها اتجهت لعالم الإنتاج السينمائي لرغبتها بأن تكون الكويت نواة عاصمة لصناعة السينما في الخليج وهذا كان السبب الأساسي وراء إطلاقها (الدورة السينمائية الاحترافية الأولى 101).
واضافت الشيخة انتصار ان هذه الدورة جاءت لتنمية وتطوير مواهب الشباب لإكسابهم مهارات احترافية في مجالات الفنون السينمائية كالتصوير والإضاءة وكتابة السيناريو والإخراج والديكور والموسيقى متمنية أن تساهم هذه المجموعة في تقديم أفكار وقصص جديدة على المشاهدين وتفهم سيكولوجية المجتمع وتخرج عن طوق “أفلام الدراما التلفزيونية” التي مازال الإنتاج السينمائي الكويتي محبوسا بداخلها لا يستطيع الخلاص منها.
ورأت الشيخة انتصار اقبالا من الجماهير ليس فقط الكويتية بل وحتى الخليجية على المنتجات السينمائية الكويتية مستشهده بعرض فيلمي (حبيب الأرض) و (العتر) لأسابيع طويلة في دور العرض واللذين قوبلا باقبال جماهيري جيد.
ومن ناحيته قال المخرج داوود الشعيل ان حركة الإنتاج السينمائي في الكويت تفتقر للبنية التحتية “ولكن هناك محاولات رائعة للتغلب على هذه العقبة من خلال ما نراه من الشباب السينمائي الكويتي الذين يصنعون أفلامهم بحب” مشيرا الى أنه ومنذ طفولته كان “مسحورا” بالشاشة العملاقة ومشاهدة الأفلام والرغبة في حكاية القصص بشكل سينمائي.
وبين الشعيل أن عدم اهتمام النقاد بالأفلام السينمائية الجماهيرية الكويتية والتي تعرض في دور العرض السينمائي يعود الى كون هذه الأفلام في غالبها “حلقة تلفزيونية” وقليل من هذه الأفلام استطاع ان يقدم سردا سينمائيا لذلك فالعلة في الوعي والثقافة السينمائية لدى من يصنع هذه الأفلام مشيرا في الوقت نفسه الى وجود أفلام كويتية قصيرة كثيرة تحصد جوائز رفيعة المستوى في مهرجانات عالمية ولكنها تصلح للمهرجانات وليس للعرض الجماهيري.
وقال ان “المطلوب من صانع الأفلام في الكويت ان يصنع فيلما بمقاييس سينمائية صحيحة وبتكلفة قليلة وسيناريو محكوم وأن تعترف بهويتها وخصوصيتها وألا تحاول تقليد سينمات لا تمت لثقافاتنا ولا لإمكانياتنا بصلة مطالبا الدولة بتوفير صناديق للإنتاج السينمائي وتسهيل عملية استخراج التصاريح لتصوير الأفلام”.
وفي السياق نفسه قال المخرج الشاب أحمد الخضري ان التصاريح الكثيرة التي يحتاجها المخرج لتصوير فيلم ما تتطلب منه مجهودا مضاعفا اذ ان البيروقراطية في عملية استخراج هذه التصاريح يستغرق وقتا وجهدا وكان من الأجدر استثماره في الابداع الفني الحقيقي.
وأضاف الخضري ان هناك حركة انتاج سينمائي مشجعة في الكويت متمثلة بجهود وزارة الشباب باطلاقها (مهرجان عدسة) الذي قدم دعما ماديا ومعنويا لصناع الأفلام الشباب إضافة الى فعاليات تغطي اهتماماتهم مشيرا ايضا الى جهد المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب والمتمثل في إقامة مهرجان الكويت السينمائي الأول في ال 24 من الشهر الجاري.
وفيما يخص فيلمه (الجزء غير المفقود) والذي حصد 11 جائزة عالمية بعد “رحلة مهرجانات” استمرت قرابة العام علق الخضري على أسباب الفوز قائلا ان القصة كانت رائعة والفضل يعود في ذلك الى المؤلف الشاب الكويتي محمد المحيطيب، مشيرا إلى ان المؤلف قد روى له القصة منذ أكثر من ثلاث سنوات وظلت الفكرة تلامسه وتجول في عقله حتى استشعر نضجها واستكمال مشاهدها في خياله فقرر تنفيذها بالتعاون مع فريقه الذي يتكامل ويتجانس ليبدع.
وتمنى الخضري ان تكون هناك ثقافة مجتمعية ووعي شعبي أكبر فيما يخص السينما اذ أنه في كثير من الأحيان يعاني من النظرة غير الجادة من بعض أفراد المجتمع لدى تصويرهم بعض المشاهد خصوصا في الأماكن العامة والشوارع، مبينا أن ذلك يتسبب في إعادة التصوير مرارا وتكرارا أو فساد بعض المشاهد لاكتشافهم وقت المونتاج أن شخصا ما ظهر في المشهد أو قام بحركة ما في خلفية المشهد لم يتم رصدها خلال التصوير.
أضف تعليق