قوائم تسريحات الضباط التي أصدرتها قيادة حركة آذار 1963م
بعد وقوع الحركة بخمسة أيام فقط، أي بتاريخ 13 آذار 1963م صدرت نشرة عسكرية أخرجت من الجيش مئة وأربعة ضباط وهم من كبار ضباط الجيش، افتتحت بالفريق عبد الكريم زهر الدين، واختتمت بالمقدم بسام العسلي.
وبتاريخ 16 آذار – أي بعد ثمانية أيام من وقوع الحركة – صدرت نشرة أخرى، أخرجت من الجيش 150 ضابطاً، هم الطاقة الفعالة في الجيش (قادة الكتائب ورؤساء عمليات الألوية وقادة سرايا)، وكان المقدم خليل مصطفى – مؤلف كتاب سقوط الجولان – واحداً من الذين شملتهم النشرة.
ثم تتابعت النشرات، تسرح، وتحيل على التقاعد، وتنقل إلى الوظائف المدنية، حتى بلغ مجموع الضباط الذين أخرجوا من الجيش حتى أيار 1967م، لا يقل عن ألفي ضابط من خيرة ضباط الجيش المحترفين كفاءة وقدرة وعطاء وحيوية، مع عدد لا يقل عن ضعفه من ضباط الصف القدامى المحترفين للعمل العسكري، والجنود المتطوعين الذين يشكلون الملاك الحقيقي الفعال لمختلف الاختصاصات في الجيش.
وحتى لا يقال إن قيادة حركة آذار تسرح ضباط الجيش، استبدلت بالذين أخرجوا من الجيش (وخاصة الضباط) أعداداً كبيرة جداً من ضباط الاحتياط (الذين سبق لهم أن أدوا خدمة العلم) وجميعهم تقريباً من البعثيين حتى أصبح معظم ضباط الجيش ممن لا خبرة لهم ولا معرفة ولا لياقة بدنية من البعثيين وخاصة من الطائفة العلوية.
ملاحظة:
(التحقت بالجيش “خدمة إلزامية” يوم 20 تموز 1963م، وأُخضعت لدورة عسكرية في مدارس قطنا، وهناك في هذه المدارس لم يكن بين العشرات من الضباط وضباط الصف ما يصل إلى عدد أصابع اليدين من الضباط وضباط الصف العاملين، فقد كان معظم الضباط وضباط الصف ممن التحقوا بخدمة الاحتياط من الضباط وضباط الصف البعثيين، وكانوا في معظمهم من المدرسين سابقاً، المترهلة أجسامهم، وكبيري السن، والذين كانوا لا يعرفون ألف باء العسكرية، وبعد انتهاء الدورة التي دامت لأكثر من أحد عشر شهراً، تخرجت وكان ترتيبي الأول “ماجور دوره”، ورغم ذلك أفرزت للخدمة في الجبهة “الجولان سابقاً” قبل أن يفرّط نظام البعث وجيشه العقائدي به ويسلمه للصهاينة دون دفع أو مدافعة. وفي القطعة التي خدمت بها – في غير اختصاصي – التقيت أحد الضباط وكان قائداً للنقطة وقد استدعي من وظيفته كمدير مدرسة لقرية الشيخ بدر “محافظة طرطوس”، وقد كشف لي سراً – عن غير قصد – أنه عند استدعاء ضباط احتياط للعمل في الجيش، نزل من الجبل ألف ضابط، معظمهم انخرطوا في الجيش. في حين صرح لي أحد ضباط الصف، والذي كان – كما قال – يعمل صياداً للسمك في مدينة صيدا اللبنانية، استدعي مع نحو ثلاثة آلاف ضابط صف بعد انقلاب 8 آذار 1963م ليلتحقوا بالجيش، وكلهم كما قال لي من الجبل من محافظتي طرطوس واللاذقية).
(وفي هذا السياق تحضرني قصة وقعت لي مع قائد نقطتي الذي كان سابقاً مدير مدرسة في الشيخ بدر وهي نفس بلدته. فقد قام الطيران الإسرائيلي يوم 3/11/1964م بضرب الجبهة لمدة ثلث ساعة متواصلة، وقد ألقى العشرات من قنابل النابالمالمحرمة.. وفي بداية قدوم الطائرات الإسرائيلية هرول هذا الضابط مسرعاً وبطريقة ملفتة للنظر نحو (البلوكوس) – الملجأ – فوقع منه مسدسه فلم يلتقطه، وسارعت أنا بالتقاطه وتقديمه له. وعند اقتراب الطائرات الصهيونية من نقطتنا، طلبت منه إعطائي الأمر بإطلاق النار عليها، وكررت طلبي لمرات عدة.. وكنت أشاهد الطيار الصهيوني الذي كان يقترب بطائرته حتى يكاد يلامس الأشجار الكثيفة التي كانت تغطي نقطتنا.. وكان يؤنبني قائلاً: إياك أن تطلق النار لأنك ستتهم بالخيانة لأنك كشفت النقطة وستعرضنا جميعاً للهلاك. لم أعد احتمل مشاهدتي للطائرة وطيارها.. وبين يدي مجموعة من ثلاثة رشاشات (م/ط 7/12)، فقمت بتوجيه هذه الرشاشات نحو السماء ورشقت أول طائرة اقتربت من النقطة.. وفعلت ذلك ثلاث مرات، وكنت في كل مرة أجبر الطيار على الإقلاع العامودي والفرار من سماء نقطتنا.. وكنت أسمع عويل ذلك الضابط الجبان وصراخه وتفوهه بعبارات الكفر والشتم والتهديد والوعيد، وقد خارت قواه، يهددني ويتوعدني بالويل والثبور.. بعد انتهاء العملية الصهيونية وخروج القائد الهمام من مخبئه، توجه إلي بكلمات نابية قاسية.. أقلها نعتي بالخيانة والعمالة.. في حين انقسم أفراد النقطة بين مؤيد ومندد بما قمت به. وقام القائد برفع تقرير إلى قيادة الجبهة طالباً إيقاع أقصى العقوبة بحقي.. ولكن قائد الجبهة في حينها اللواء “فهد الشاعر” منحني شهادة تقدير مع إجازة 12 يوماً.. وتبين لي فيما بعد أنه لم تطلق على هذه الطائرات في كل مواقع الجبهة طلقة واحدة إلا ما كنت قد أطلقته أنا).
لقد رافق عمليات التسريح حل بعض الوحدات المقاتلة، وتشكيل وحدات غيرها على أسس حزبية بحتة.. وبذلك أصبح الجيش عبئاً ثقيلاً على كاهل الشعب.. بدل أن يكون درعاً يدفع عنه وحصناً يذود عن حياضه.. ويحفظ أمنه وكرامته وحرياته.
توجت مرحلة تصفية الجيش بالأحكام الجائرة التي أصدرتها محكمة أمن الدولة التي كان يترأسها المقدم صلاح الضلي.. حيث تم إعدام عدد كبير من الضباط كان في مقدمتهم: (العقيد أركان حرب كمال مقصوصة والعقيد هشام شبيب والنقيب معروف التغلبي والنقيب ممدوح رشيد والملازم نصوح الجابي والمساعد بحري كلش).
بالإضافة إلى القتل والإعدام والتسريح غصت السجون بالمئات من الضباط والآلاف من باقي العسكريين.. وكان من أبرز هؤلاء المعتقلين: (اللواء محمد الجراح واللواء راشد قطيني والفريق محمد الصوفي والفريق عبد الكريم زهر الدين واللواء وديع مقعبري والعمداء مصطفى الدواليبي ونزار غزال وأكرم الخطيب وموفق عصاصة ودرويش الزوني وممدوح الحبال والعقداء هيثم المهايني ومحيي الدين حجار وحيدر الكزبري).
يتبع
أضف تعليق