أقلامهم

زايد الزيد يكتب لـ ((سبر)) :
بين حضور مسلم البراك وغيابه وعودته.. المشهد السياسي يترقب تحولات جوهرية

مسلم البراك .. الحالة الفريدة

مسلم البراك ظاهرة فريدة في الحياة السياسية بالكويت والعالم العربي ، فهو صاحب نضال سياسي طويل ، بدأه بالعمل النقابي فأجاده ، وتمرس بالعمل النيابي وارتقى ، ثم دفع بكل قوة نحو تشكيل تنظيم سياسي جمعه والمؤمنين بهذا التنظيم (حركة العمل الشعبي) .

الامكانات الذاتية لمسلم البراك التي تمثلت في الوعي والكاريزما والخطابة أعطته قوة دفع هائلة لإنضاج تجربته السياسية – نقابيا ونيابيا – وقد ناهزت الثلاثة عقود ، ومكَّنته بالتالي من امتلاك قدرات كبيرة في العمل السياسي تفاوضا ومناورة وتكتيكا ، فأصبحت قيادته للمعارضة مستحقة بجدارة .

مسلم البراك هو السياسي الأبرز والأكثر تأثيرا في الكويت، أوقف فساداً، وأقصى فاسدين، وصحح مسارات، وأنصف مظلومين، ودافع عن المال العام، وظل ولايزال مدافعا شرساً عن دستور ١٩٦٢، متمسكا بمضامينه وبكل الضمانات التي كفلها للشعب، لذلك يظل مسلم نموذجا للسياسي الأشجع والأوضح والأنظف والأنبل.

مسلم البراك هو السياسي الذي لم يكن له مثيل في تاريخنا السياسي، من حيث طبيعة نضاله، وأنا أقول ذلك كدارس للعلوم السياسية، ومن خلال دراستي لتاريخ الكويت السياسي أَجِد مسلم هو السياسي البارز الذي لم يخرج من عباءة تنظيم سياسي، وهذه حالة نادرة، فالتنظيم السياسي يسهّل على السياسي المنتمي نجاحه، فالتنظيم جماعة يدعم بعضها بعضا، أما السياسي غير المنتمي – كحال مسلم – يصعب عليه أن يشق طريقه في عالم السياسة، وان فعل ونجح فانه من الصعب أن يستمر في الحفاظ على نجاحه فترة طويلة، لكن مسلم فعلها، واستمر بالنجاح وحافظ عليه، وهو من صعود إلى أعلى، لذلك أقول أنه حالة نادرة في حياتنا السياسية.

من المقاطعة .. إلى النضال

ومع جور السلطة على الحقوق الدستورية للشعب، وخروجها عن قواعد اللعبة السياسية التي يضبطها دستور ١٩٦٢، من خلال فرض “مرسوم الضرورة” – وماهو بضرورة – في منتصف عام ٢٠١٢ بتعديل النظام الانتخابي، بحيث أصبح لكل مواطن صوت واحد بدلا من أربعة، وتزامنا مع هذا الجور وكردة فعل تجاهه قررت المعارضة مقاطعة الانتخابات انتخابا وترشيحا، من هنا شق مسلم البراك طريق العمل النضالي الميداني وبرز كقائد سياسي، يدعمه في ذلك إخلاصه بالعمل ونظافة يده وتفوقه بالخطابة.

قدم مسلم البراك في هذه المرحلة النضالية ضد جور السلطة خطاب “لن نسمح لك” ، وهو خطاب سياسي فريد وغير مسبوق في الحياة السياسية، لا من حيث اللغة ولا من حيث المضمون، فبلغت الأزمة السياسية في الكويت أشدها، وأبرز ماميّز سلوك مسلم البراك السياسي في هذه المرحلة النضالية أنه كان يعرف تماما حجم الثمن الذي سيدفعه، والأجمل انه كان مستعدا – فعلاً لا قولاً – لتقديم تضحية كبرى في سبيل ماكان يؤمن به، وقد كان .

 

السجن.. تضحية الأسمى لمسلم 

دخل مسلم السجن ، ليقضي فيه عامين (أوشكت الآن على الانتهاء) ، رفض خلالها وساطات العفو، وظل صامداً شامخاً، وهو بهذه التضحية أثار إعجاب خصومه قبل محبيه، لأن بعض المرجفين من أدوات السلطة كانوا يشيعون أن مسلم غير مستعد لتقديم أقل تضحية، فإذا بهم يفاجأون بعكس مايشيعون، ورأوا أن مسلم قدم تضحية كبرى ليكون قدوة لشباب الحراك في العمل النضالي، فخرست ألسنتهم، وأُسقط في أيدي ” معازيبهم “.

إنهاء المقاطعة .. ونتائج معقولة

خلال فترة سجن مسلم ، قررت معظم تشكيلات المعارضة إنهاء مرحلة مقاطعة الانتخابات ، وما ان حلّت السلطة المجلس ، حتى جاءت المشاركة ، وحققت المعارضة من خلالها عدد لابأس به من المقاعد التي يمكنها من أداء الدور الرقابي بشكل جيد ، وجاء استجواب وزير الاعلام الشيخ سلمان الحمود من النواب وليد الطبطبائي والحميدي السبيعي وعبدالوهاب البابطين ، وما ان أسقط الاستجواب الوزير المستجوَب ، حتى تحققت نتيجتان مهمتان ، الأولى استعادة الثقة بمجلس الأمة من جانب قطاعات واسعة من المعارضة والشارع السياسي بأن الرقابة على السلطة التنفيذية من الممكن أن تكون فعالة حتى في ظل مجلس الصوت الواحد ، أما النتيجة الثانية فكانت تخص السلطة ، حيث أدركت ، منذ لحظة انتهاء الاستجواب ، أن المعارضة عادت بقوة على الرغم من غياب رموز نيابية كبيرة لم تشارك أمثال أحمد السعدون وفيصل المسلم وبالطبع مسلم البراك ، وأن قناعتها بأن قرار فرض الصوت الواحد سيقصي المعارضة تماما من مجلس الأمة ، ماهي إلا قناعة واهمة واهية ، وأن الأزمات السياسية قادمة لامحالة .

تشرذم سياسي .. ينتظر مسلم

إزاء هذا المعطى الجديد ، قررت السلطة تقديم بعض التنازلات ، وأخصها مسألة إعادة الجناسي المسحوبة لأسر عبدالله البرغش وسعد العجمي وأحمد الجبر ، فعُقدت لقاءات وصَدرت تصريحات تبشر بانفراجة كبيرة ، ولكن لأن في السلطة عدة رؤوس وأجنحة ، فانه يبدو أن هناك من يحاول عرقلة الحلول وصد الانفراجات ، وهذا هو شكل المشهد السياسي الآن ، وأظن أن كل ماقيل عن انفراج سياسي آت ، ماهي إلا إبر تخدير لاتغني ولاتسمن من جوع ، إلا إذا وجدت السلطة موقفا قويا ممن يمثل المعارضة بالمجلس مستعدا لتحريك المساءلة بشكل لايقبل المهادنة ، وليس لدي أدنى شك بأن سلوك السلطة تجاه قضايا سحب الجناسي كان سيكون مختلفا لو أن مسلم البراك كان خارج السجن حتى لو لم يكن نائبا ، واعتقد أيضا ان تفاوت مواقف مكونات نواب المعارضة وطريقة أداؤهم تجاه موضوع الجنسية ماكان ليكون بهذا الشكل لو كان مسلم حاضرا بالمشهد ، وعليه فانه من المتوقع – أو من المأمّل – ان مسلم سيوحد المواقف وسيمنع تشرذمها في القريب العاجل وقت خروجه .

في خضم هذه الأجواء السياسية المتذبذبة ، سيخرج المناضل مسلم البراك من سجنه ، وسيواجه عدة ملفات كبيرة ، أولها قيادة تنظيمه السياسي ( حشد ) ، لكن أبرز ماسيتصدى له مسلم هو قيادة المعارضة من خارج مجلس الأمة ، وأظن انه سيقرر خوض الانتخابات المقبلة أيا كان موعدها .

خروج مسلم البراك – حتماً – سيجعل المشهد السياسي مختلفا تماما ، سيأخذ المشهد بعد خروجه شكلاً آخراً مختلفاً عما كان أثناء سجنه ، أبرز تجليات المشهد بظني ان مسلم سيُصبِح المرجع السياسي لأي تحرك في مواجهة السلطة ، وسيصبح – لأول مرة – مطبخ القرار السياسي خارج مجلس الأمة وليس داخله ، وهذا بالطبع لاينتقص أبداً من قدر نواب المجلس المنتمين للمعارضة ، فللعمل السياسي بالعالم كله مرجعيات سياسية لاتكون بالضرورة كلها من داخل البرلمان ، وهذا ماسيكون لأول مرة بالكويت بخروج مسلم .

الخروج من السجن .. مرحلة جديدة

المرحلة المقبلة التي ستشهد خروج مسلم من السجن ، من المتوقع أن نواب المعارضة يتعاونون مع مسلم سياسياً ، أما السلطة فستنظر له بعين المراقب المرتاب ، ستدقق في ثنايا تصريحاته وتلميحاته ، وستعتبر ايماءاته رسائل تحذير ، وستبني بعض قراراتها في القضايا محل الخلاف بناء على مواقفه ، ان سلبا أو ايجابا ، اي أن بعض قراراتها ستكون تحديا له وبعضها استجابةً .

جميل جدا ، وأكثر من رائع ، أن تجد هناك تشوق شعبي ونخبوي وحراكي يعتمل ويترقب خروج مسلم من السجن ، وهذا الأمر بحد ذاته يعد تتويج عفوي لزعامة مسلم السياسية ، فالشعوب لاتنسى مناضليها وتظل وفية لهم .

زايد الزيد
في ٢٢ مارس ٢٠١٧
الولايات المتحدة الأمريكية ، أوهايو ، كليفلاند ، كليفلاند كلينيك

تعليق واحد

  • الف لا باس عليك زميلي زايد وما تشوف شر وكلام جميل ويستاهله ابو حمود وكل الشعب ينتظر الافراج عنه والاحتفال برؤيته وانت حاضر معافي باذن الله ولكن السؤال الذي يطرح نفسه
    ما الرؤية التي يملكها مسلم البراك ليحفظ للشعب حقوقه ومكتسباته الدستورية ومحاربة الفساد والمفسدين وكيف سيتعامل مع من تركوه وارتموا في حضن السلطة وذاقوا حنانها ؟
    باختصار كلمة احب يسمعها مني ابو حمود
    انت شخص ولدت في غير عصرك
    وهذا الشعب لا يستحقك

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.