هل يمكن القطع بأن سوريا دخلت منذ الأمس زمناً جديداً، هو زمن دونالد ترمب المنافي والمجافي لعالم باراك أوباما وتنظيراته الآيديولوجية وتهويماته اللوجيستية؟
يُمكن القطع بأن العالم برمَّتِه، وليس سوريا بمفردها، بات اليوم أمام حقيقة مؤكدة، وهي أن عهد ترمب هو زمن غير المتوقع، فما أحجم أوباما عنه طوال ست سنوات سقط فيها الآلاف من السوريين ضحايا تخاذُلِه، أقدم عليه ترمب بعد أقل من ثلاثة أيام من مجزرة خان شيخون.
ضربة صواريخ «التوماهوك» تسطِّر كتاباً جديداً، ولا شك، في الشرق الأوسط لمسارات الأحداث، وتخبرنا بأننا أمام إدارة حازمة وحاسمة، يقف وراءها جنرالات البنتاغون بقوة، وفي استعلان عصراني يسعى لاستعادة هيبة أميركا التي أضاعها أوباما، وأن الرئيس ترمب يعمل في اتساق كبير مع صُنّاع القرار الحقيقي في البلاد، خصوصاً في ضوء التناغم الواضح بين الخارجية والبنتاغون والبيت الأبيض.
استهداف قاعدة الشعيرات الجوية يتجاوز فكرة العمل العسكري الأميركي، ويكشف عن استراتيجية أميركية صريحة مفادها إعادة امتلاك زمام المبادرة والمبادأة، لا انتظار أن تكون تحركات واشنطن مجرد ردات فعل.
ما جرى في الساعات القليلة الماضية، ينبغي النظر إليه من خلال منظور جيوسياسي واسع، ذلك أنه إن كان الهجوم جرى على الأراضي السورية، وكانتقام سريع لاستخدام غازات سامة ضد مدنيين، وهي رسالة شافية وافية لسوريا ونظامها، فإن الصدى يتردد في أكثر من موقع وموضع حول العالم، وحكماً تقوم الدوائر المعنية في هذه الآونة بالتحليل والاستشراف لجهة الأسوأ الذي يُمكِن أن يحدث عما قريب.
السؤال الأول الذي يطرح ذاته بذاته: «هل انتهى شهر العسل الأميركي الروسي القصير جداً، الذي خُيِّل لكثير من الناظرين رؤيته بين ترمب وبوتين»؟
أغلب الظن أن ذلك كذلك قولاً وفعلاً، حتى وإن أخبر الأميركيون الروس قبل الهجوم بساعات لإجلاء عناصرهم البشرية من هناك، حتى لا تتعقد الأمور أكثر وتصل إلى دائرة المواجهات المسلحة.
غير أنه وفي هذا السياق لا يظن أحد أن فلاديمير بوتين سوف يوفر انتقاماً مضاداً، بعد أن أقدم نظيره الجديد على فعل عسكري، وإنْ تعددت الروايات حول شكل وطبيعة ردات الفعل المتوقعة، وهنا يبدو أن الصراع المكتوم قد أذن له بأن يطفو على السطح.
مثير جداً شأن الرئيس ترمب وتوقيت اتخاذ قرار الهجوم، فقد انطلقت الصواريخ أثناء استضافته على العشاء الرئيس الصيني شي جينبينغ، والوفد المرافق له.
هل كان ترمب يبعث برسالة للصينيين أيضاً مفادها أن واشنطن «قابضة على جمر القرن الأميركي بامتياز، وأن ثماني سنوات أوباما كانت جملة اعتراضية أمام رؤى القرن الأميركي وتنظيراته، وفيه لا يسمح للصين تحديداً أن تفكر في مقارعة أميركا أو منافستها، وأن ما تقتنع به واشنطن سيجد طريقه للتنفيذ دون استشارة أحد؟».
الحديث عن الصين يحمل أكثر من مبنى ومعنى والملفات الشقاقية المفتوحة معها عريضة وواسعة.
يبقى بحر الصين الجنوبي ساحة مرشحة لإشعال حرب عالمية ثالثة، ومن ورائه تبقى الأزمة في كوريا الشمالية على صفيح ساخن، والتصريحات الأميركية بشأن الخيارات المفتوحة ضد بيونغ يانغ، تؤكد أن ترمب، ومن خلفه ستيف بانون عطفاً على جيمس ماتيس لن يترددوا في توجيه ضربات عسكرية ساحقة ماحقة إن طالت صواريخ الفتى الكوري أهدافاً أميركية، مثل جزيرة غوام في غرب المحيط الهادي على سبيل المثال، أو ما هو أبعد في الداخل الأميركي… وهنا لن تكون الصين بحال من الأحوال بعيدة أيضاً عن المواجهة.
هل يفوتنا أن نذكر بأن جرس إنذار ترمب في سوريا قد ترددت أصداؤه في طهران؟
لطالما اعتبرت القيادة السياسية الحاكمة هناك أن واشنطن لن تغامر بمواجهة عسكرية في الخليج العربي لأي سبب من الأسباب، ولهذا نراها تمضي سادرة في غيِّها، محاوِلةً إفساد أمن المنطقة وأمانها، عبر تدخلات مباشرة وأخرى خفية، ناهيك بتحرشها المستقر والمستمر بالبحرية الأميركية وقطع أساطيلها.
لا يمكن للملالي أن يصموا آذانهم عن هدير «الكروز» و«التوماهوك» في الجوار، وربما سقطوا ومِن ورائِهم النظام السوري في فخّ اختبار نيات إدارة ترمب؟
على أن المشهد إلى هذا الحد ليس مكتملاً، لا سيما أن «القوة تجذب التهديدات»، كما يقول الفيلسوف المحافظ الكبير إدموند بيرك.. عليه، ينبغي الانتظار والنظر في ردات فعل موسكو وطهران وبكين بنوع خاص، وهل سيتعرض الوجود الأميركي المسلح في أماكن عدة حول العالم لانتقامات مباشرة، وساعتها يمكن أن نرى حرباً كونية تتصاعد من حولنا رويداً رويداً، أم أن الدرس السوري سيجعل الآخرين يقدرون لأرجلهم قبل الخطو مواقِعَها ومواضعها؟
أضف تعليق