أمس الأول كان يوماً كئيباً، الحكومة وزبائنها من نواب المجلس رفضوا تحكيم السلطة القضائية للنظر في أخطر مسائل الوطن، وهي قضية الهوية الوطنية، وبالصوت الحكومي المخجل كانت الأكثرية مع بقاء مشروع الدولة المشيخية، التي تختزل الدولة وسلطاتها بأشخاص الحكم، ونحت أكثرية البؤس جانباً دولة المؤسسات القانونية، وما تعنيه من افتراض الحياد والعدالة في إدارة الدولة بدلاً من عشوائية المزاج الحاكم، وتغليب المصلحة الشخصية على حساب المصلحة الوطنية العامة.
في تلك الجلسة، وكان من المتوقع نتائجها سلفاً طالما ظلت آليات التخلف الفاشية مهيمنة على ثقافة زبائن السلطة، سمعنا خطابات خاوية عن مسألة السيادة من وزراء ونواب، وهم في حقيقة الأمر، أبعد الناس فهماً عن فكرة القانون ومسألة السيادة كتفويض سلطة الاستثناء للسلطة التنفيذية في مسائل محددة، فهي استثنائية بطبيعتها، ويجب أن تكون مقيدة نصاً ولا تنتهك حقوق وحريات الأفراد التي كفلها الدستور، ولم يكن قانون المحكمة الإدارية، الذي يحظر على القضاء النظر في مسائل الجنسية بالمطلق – مع مسائل أخرى – إلا مثالاً فذاً على عدم دستورية ذلك النص، ويكون بالتالي رفض تصحيح وتعديل ذلك العوج تشريعياً هو تكريس صاف لاستبداد وانفراد سلطة الحكم في تحديد معايير المواطنة من جهة، ونفيها من جهة أخرى حسب “مزاجها” وعشوائية قراراتها.
تحدث رموز المشيخة وزبائنهم عن نقاء الهوية، وما حدث تاريخياً من تلاعب في منح الجناسي عن طرق تزوير وسائل الحصول عليها، كانوا يتحدثون، دون خجل، كأن المزورين المزعومين، قاموا وحدهم بجرم التزوير، دون عون ومشاركة من السلطة ممثلة في جهاز وزارة الداخلية، التي تقرر وتحدد وتمنح وثائق الجنسية من ناحية أو ترفضها من ناحية أخرى، لا حسب القانون، وإنما حسب مصلحة السلطة الحاكمة فقط، وهي ليست بالضرورة المصلحة العامة، بل هي بالعكس الضرر الخالص للمصلحة العامة، وللمفارقة نجد لوردات الخواء الذين كانوا يلعنون حظهم العاثر من التجنيس السياسي ذلك الوقت، يحتمون اليوم بالسلطة ذاتها التي كانت مايسترو اللعبة في ذلك اليوم، ومثلهم أيضاً بعض الجماعات، التي كانت أول من اكتوى في السابق من جمر نفي الجنسية لمعايير سياسية محضة، نراهم الآن يهللون للسيد السلطوي حين يرفض أي تصحيح للانحراف في التشريع.
بمثل هؤلاء المطبلين السائرين في جنائز الشرعية والعدالة تتحدد معالم الهويات الوطنية الجريحة، وبمثل تلك النماذج من دعاة الفاشية الخليجية اليوم يتحتم مواجهة مستقبل مجهول مخيف تنضب فيه الثروة المادية، ولا يتبقى على الأرض غير ثروة الوعي الإنساني بالمشاركة في هوية الانتماء للدولة، فلا رصيد للغد القريب يحمي الوطن من غوائل تحديات الخارج والداخل غير تكريس الوحدة الوطنية، وقبل الأمس بصقوا عليها بجهلهم وعنترياتهم وحماقاتهم المريضة… ماذا يظنون بأنفسهم ومن يكونون؟!
أضف تعليق