يما يلي النص الحرفي لمقابلة الرئيس السوري بشار الأسد الحصرية مع وكالة فرانس برس التي أُجريت، الأربعاء 13 أبريل/نيسان 2017، بمكتبه في دمشق.
السؤال الأول: سيادة الرئيس، هل أصدرتم أمراً بضرب خان شيخون بالأسلحة الكيماوية الثلاثاء الماضي؟
الأسد: في الواقع، لم يقم أحد حتى هذه اللحظة بالتحقيق فيما حدث ذلك اليوم في خان شيخون. كما تعرف، فإن خان شيخون تحت سيطرة جبهة النصرة، وهي فرع من القاعدة. ومن ثم، فإن المعلومات الوحيدة التي بحوزة العالم حتى هذه اللحظة هي ما نشره فرع القاعدة. ليس لدى أحد أي معلومات أخرى. لا نعرف ما إذا كانت كل الصور أو الفيديوهات التي رأيناها صحيحة أو مفبركة. ولهذا طلبنا إجراء تحقيق فيما حدث في خان شيخون. هذا أولاً.
ثانياً، فإن مصادر القاعدة قالت إن الهجوم حدث بين الساعة السادسة والسادسة والنصف صباحاً، بينما وقع الهجوم السوري على المنطقة نفسها نحو الساعة 11.30 إلى 12 ظهراً. ومن ثم، فإنهم يتحدثون عن روايتين أو حدثين. لم يصدر أي أمر بشن أي هجوم؛ كما أننا لا نمتلك أي أسلحة كيماوية، حيث تخلينا عن ترسانتنا قبل بضع سنوات. وحتى لو كان لدينا مثل تلك الأسلحة، فإننا ما كنّا لنستخدمها. ونحن لم نستخدم ترسانتنا الكيماوية أبداً في تاريخنا.
السؤال الثاني: إذاً، ما الذي حدث في ذلك اليوم؟
الأسد: كما قلت، فإن المصدر الوحيد لهذه المعلومات هو القاعدة، وهو ما لا يمكن أن نأخذه على محمل الجدّ. لكن انطباعنا هو أن الغرب، والولايات المتحدة بشكل رئيسي، متواطئون مع الإرهابيين، وقاموا بفبركة كل هذه القصة؛ كي يكون لديهم ذريعة لشن هجومهم. لم تكن الضربة بسبب ما حدث في خان شيخون. نحن أمام حدث واحد، المرحلة الأولى فيه كانت المسرحية التي رأيناها على شبكات التواصل الاجتماعي وشاشات التلفزة، والحملة الدعائية، والمرحلة الثانية تمثلت في العدوان العسكري.
هذا ما حدث بحسب اعتقادنا؛ لأنه مرت بضعة أيام فقط؛ بل يومان، 48 ساعة، بين المسرحية والهجمات الأميركية، دون إجراء أي تحقيقات، ودون وجود أي أدلة ملموسة على أي شيء. كل ما هنالك كان مزاعم وحملات دعائية، ومن ثم حدثت الضربة.
السؤال الثالث: إذاً، من وجهة نظركم، مَن المسؤول عن هذا الهجوم الكيماوي المزعوم؟
الأسد: المزاعم في حد ذاتها صدرت عن القاعدة، عن جبهة النصرة، ومن ثم لسنا بحاجة للتحقيق فيمن يقف وراءها، هم أعلنوا ذلك، حيث إن المنطقة تحت سيطرتهم، وليس هناك من سواهم. أما فيما يتعلق بالهجوم، فكما قلت: ليس من الواضح ما إذا كان قد حدث أم لا؛ إذ كيف يمكن أن تتحقق من مقطع فيديو؟!
هناك الكثير من مقاطع الفيديو المزورة الآن، وهناك أدلة على أن تلك الفيديوهات كانت مزيفة، كفيديوهات الخوذ البيضاء على سبيل المثال. فهؤلاء أعضاء في القاعدة، بجبهة النصرة، حلقوا لحاهم واعتمروا قبعات بيضاء وظهروا بوصفهم أبطالاً إنسانيين، وهذا غير صحيح.
فهؤلاء الأشخاص أنفسهم كانوا يقتلون الجنود السوريين، والأدلة على ذلك موجودة على الإنترنت في كل الأحوال. الأمر نفسه ينطبق على ذلك الهجوم الكيماوي، فنحن لا نعرف ما إذا كان أولئك الأطفال القتلى قد قُتلوا في خان شيخون؛ بل إننا لا نعرف ما إذا كانوا أمواتاً في الأساس. وإذا كان هناك هجوم، فمن الذي قام به؟ ما المواد المستخدمة فيه؟ ليس هناك أي معلومات على الإطلاق، لا شيء أبداً، ولم يحقق أحد في ذلك.
السؤال الرابع: إذاً، تعتقد أنها فبركة؟
الأسد: بالتأكيد، بالنسبة لنا الأمر مفبرك مائة في المائة. نحن لا نمتلك ترسانة كيماوية، وحتى لو امتلكناها فإننا لن نستخدمها. هناك العديد من المؤشرات وإن لم يكن هناك دليل؛ لأنه لا أحد يمتلك معلومات أو أدلة ملموسة. على سبيل المثال، قبل أقل من أسبوعين، أو قبل نحو 10 أيام من الهجوم، كان الإرهابيون يتقدمون على جبهات عدة، من ضمنها ضواحي دمشق وريف حماه، غير البعيد عن خان شيخون. لنفترض أننا نمتلك مثل هذه الترسانة، ولنفترض أن لدينا الإرادة لاستخدامها، لماذا لم نستخدمها عندما كنا نتراجع وكان الإرهابيون يتقدمون؟!
في الواقع، إن توقيت ذلك الهجوم المزعوم تزامن مع الفترة التي كان فيها الجيش السوري يتقدم بسرعة كبيرة، وكان الإرهابيون في حالة انهيار. ومن ثم، فلماذا تستخدم تلك الأسلحة -هذا في حال كنت تمتلكها ولديك الإرادة لاستخدامها بالمنطق؟ لماذا تستخدمها في ذلك التوقيت، وليس عندما كنت في وضع صعب؟
ثانياً: إذا كنت تمتلكها وأردت استخدامها، ومرة أخرى إذا افترضنا ذلك، فلماذا تستخدمها ضد المدنيين وليس ضد الإرهابيين الذين تحاربهم؟!
ثالثاً: جيشنا ليس موجوداً في تلك المنطقة، ولا نخوض معارك فيها، وليس لدينا أي هدف في خان شيخون، التي لا تُعدّ منطقة استراتيجية. أنا أتحدث من وجهة نظر عسكرية؛ لِمَ نهاجمها؟! ما السبب؟!
بالطبع، الأساس بالنسبة لنا هو أساس أخلاقي، أي إننا ما كنا لنفعل ذلك حتى لو امتلكنا تلك الأسلحة. ليس لدينا الإرادة لاستخدامها؛ لأن هذا غير مقبول أخلاقياً. لن نحظى بالدعم الشعبي لو فعلنا ذلك. من ثم، فإن كل المؤشرات تتناقض مع الرواية برمّتها، لذلك يمكنك القول إن هذه المسرحية التي عرضوها ليست متماسكة. القصة غير مقنعة بأي شكل من الأشكال.
السؤال الخامس: مع الضربة الجوية الأميركية، يبدو أن ترامب غيّر موقفه حيالك وحيال سوريا بشكل جذري. هل تشعرون بأنكم فقدتم من وصفتموه سابقاً بشريك محتمل؟
الأسد: أنا قلت “إذا”، ومن ثم فإن عبارتي كانت شرطيّة. إذا كانوا جادين في محاربة الإرهابيين، فإننا سنصبح شركاء، وقلت إن الأمر لا ينطبق على الولايات المتحدة وحسب، فنحن شركاء كل من يريد محاربة الإرهابيين. هذا مبدأ أساسي بالنسبة لنا. في الواقع، ما أُثبت مؤخراً، وكما قلت قبل قليل، أنهم متواطئون مع أولئك الإرهابيين، أعني الولايات المتحدة والغرب. إنهم ليسوا جادين في محاربة الإرهابيين، وبالأمس كان بعض مسؤوليهم يدافعون عن داعش.. قالوا إن داعش لا يمتلك أسلحة كيماوية، وهم بذلك يدافعون عن داعش ضد الحكومة السورية والجيش السوري. في الواقع، لا تستطيع التحدث عن شراكة بيننا، نحن الذين نعمل ضد الإرهابيين ونحارب الإرهاب، وبين أولئك الذين يدعمون الإرهابيين صراحة.
السؤال السادس: هل نستطيع القول إن الضربة الأميركية غيّرت رأيكم في ترامب؟
الأسد: في كل الأحوال، أنا كنت حذراً جداً في التعبير عن أي رأي حياله، سواء قبل أن يصبح رئيساً أو بعد ذلك. كنت أقول دائماً: “لنرَ ما الذي سيفعله، لن نُعلّق على التصريحات”. في الواقع، هذا الهجوم هو الدليل الأول على أن الأمر لا يتعلق برئيس الولايات المتحدة؛ بل بالنظام وبالدولة العميقة، أو بالنظام العميق في الولايات المتحدة، الذي ما زال نفسه ولا يتغيّر. الرئيس هو أحد المؤدين على المسرح الأميركي، وإذا أراد أن يكون قائداً فهو لا يستطيع أن يكون كذلك؛ لأن البعض يقول إن ترامب أراد أن يكون قائداً، كل رئيس هناك، إذا أراد أن يكون قائداً حقيقياً، فسيترتب عليه لاحقاً أن يأكل كلماته ويبتلع كبرياءه، هذا إذا كان لديه أي كبرياء على الإطلاق، وأن يتحول بزاوية 180 درجة، وإلا فإنه سيدفع الثمن سياسياً.
السؤال السابع: لكن، هل تعتقدون أنه سيكون هناك هجوم آخر؟
الأسد: طالما ظلت الولايات المتحدة محكومة من قِبل هذا التجمّع الذي يضم مجمع الصناعات العسكرية والمؤسسات المالية والمصرفية، وما يمكن تسميته النظام العميق، ويعمل لتحقيق المصالح الخاصة لتلك المجموعات.. فبالطبع، يمكن أن يحدث ذلك في أي وقت وبأي مكان، وليس في سوريا وحسب.
السؤال الثامن: وهل سيردّ جيشكم أو الروس إذا حدث هذا مرة أخرى؟
الأسد: في الواقع، إذا أردت الحديث عن الرد، فنحن نتحدث عن صواريخ تُطلق على بُعد مئات الأميال، وهو ما لا نستطيع الوصول إليه، لكن في الواقع فإن الحرب الحقيقية في سوريا لا تتعلق بتلك الصواريخ؛ بل بدعم الإرهابيين. هذا هو الجزء الأخطر في هذه الحرب. وسيكون ردنا كما كان منذ اليوم الأول، أي سحق الإرهابيين في كل مكان من سوريا. عندما نتخلص من الإرهابيين، فإننا لن نكون قلقين حيال أي شيء آخر حينها، إذاً هذا هو ردنا، وهو رد وليس رد فعل.
السؤال التاسع: ما تقوله يعني أن الرد من قِبل الجيش السوري أو من قِبل الروس سيكون صعباً جداً؛ لأن السفن بعيدة جداً؟
الأسد: بالنسبة لنا كبلد صغير، هذا صحيح طبعاً، والجميع يعرف ذلك، لا يمكننا الوصول إليها. أعني أنهم يمكن أن يطلقوا صواريخ من قارة أخرى، وكلنا يعرف ذلك. إنهم قوة عظمى، ونحن لسنا كذلك. أما الحديث عن الروس، فتلك قضية أخرى.
السؤال العاشر: هل ستقْبلون بنتائج تحقيق تجريه منظمة حظر الأسلحة الكيماوية؟
الأسد: منذ المرة الأولى، في عام 2013، عندما شنّ الإرهابيون أولى هجماتهم على الجيش السوري مستخدمين صواريخ تحمل مواد كيماوية حينذاك، طالبنا بإجراء تحقيق، كنا نحن مَن طلب إجراء تحقيقات في كل مرة تحدث فيها هجمات كيماوية أو تصدر فيها مزاعم عن حدوث هجمات كيماوية. وهذه المرة بحثنا مع الروس بالأمس، وخلال الأيام القليلة الماضية، بعد الضربة، أننا سنعمل معهم لإجراء تحقيق دولي. لكن ينبغي لهذا التحقيق أن يكون نزيهاً. يمكننا أن نسمح بأي تحقيق فقط عندما يكون غير منحاز، وعندما نتأكد أن دولاً محايدة ستشارك في هذا التحقيق؛ كي نضمن أنها لن تستخدمه لأغراض سياسية.
السؤال الحادي عشر: وإذا اتهموا الحكومة، فهل ستتنحَّون؟
الأسد: إذا اتهموا، أو إذا أثبتوا؟ ثمة فرق كبير. إنهم أصلاً يتهمون الحكومة، وإذا كنت تقصد الغرب كمصدر لهذا الاتهام، فإننا لا نكترث للغرب. وإذا كنت تقصد منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، فإذا تمكّنوا من إثبات حدوث هجوم ينبغي أن نحقق في ذلك؛ لنعرف من أعطى الأمر بشنّ ذلك الهجوم. لكن بالنسبة للجيش السوري، فإن المؤكد مائة في المائة أننا لا نمتلك مثل تلك الأسلحة، ولا نستطيع، حتى لو كنا نريد، فإننا لا نستطيع، وليست لدينا الوسائل اللازمة لشن مثل ذلك الهجوم، وليست لدينا الإرادة لشنه.
السؤال الثاني عشر: تقصد أنكم لا تمتلكون أسلحة كيماوية؟
الأسد: لا لا، بالمطلق.. فقبل بضع سنوات، في عام 2013، تخلّينا عن كل ترسانتنا، وأعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية أن سوريا خالية من أي مواد كيماوية.
السؤال الثالث عشر: أسأل؛ لأن البنتاغون قال إن هناك أسلحة كيماوية في القاعدة الجوية، هل تنكرون ذلك؟
الأسد: هم هاجموا القاعدة الجوية، ودمروا المستودعات التي تحوي مواد مختلفة، ولم يكن هناك وجود لغاز السارين. كيف ذلك؟! إذا كانوا يقولون إننا أطلقنا الهجوم بغاز السارين من تلك القاعدة الجوية، فماذا حدث لغاز السارين عندما هاجموا المستودعات؟ هل سمعنا عن وجود غاز السارين؟
رئيس أركان جيشنا وصل إلى هناك بعد بضع ساعات، كيف تمكن من الذهاب إلى القاعدة لو كان هناك غاز سارين؟! كيف يمكن أن يرتقي 6 شهداء فقط من أصل مئات الجنود والضباط العاملين هناك إذا كانت القاعدة تحتوي على غاز السارين، كيف لم يمُت البقية؟
في الفيديوهات نفسها المفبركة التي رأيناها عن خان شيخون عندما حاول المسعفون إسعاف الضحايا أو من يفترض أنهم قتلى أو أشخاص تأثروا بالهجوم، في الواقع لم يرتدوا أي أقنعة أو قفازات واقية، كيف ذلك؟! أين السارين؟! كان ينبغي أن يتأثروا فوراً. ومن ثم، فإن هذه كلها مزاعم. أعني أن هذا الهجوم وهذه المزاعم تشكل دليلاً آخر على أنها مفبركة وأنه لم يكن هناك وجود للسارين في أي مكان.
السؤال الرابع عشر: إذا كنت تقول إنك لم تعطِ الأمر، فهل هناك احتمال بأن يكون مَن شن الهجوم الكيماوي عنصر غير رسمي أو غير منضبط في الجيش؟
الأسد: حتى لو كان هناك عنصر غير منضبط، فإن الجيش لا يمتلك مواد كيماوية. هذا أولاً. ثانياً، العنصر غير المنضبط في الجيش لا يستطيع إرسال طائرة بقرار منه حتى لو أراد ذلك. هذه طائرة وليست سيارة صغيرة يأخذها من مكان إلى آخر أو رشاشاً صغيراً يستخدمه. يمكن أن تتحدث عن ذلك عندما يكون هناك شخص يستخدم مسدسه بالشكل الذي يريده وينتهك القانون. هذا يمكن أن يحدث في أي مكان بالعالم، لكن لا يمكن أن يحدث عندما يتعلق الأمر بطائرة. هذا ثانياً.
ثالثاً، الجيش السوري جيش نظامي، وليس ميليشيا. إنه جيش نظامي وله تراتبية وآلية واضحة جداً لإصدار الأوامر. ومن ثم، فإن حالة وجود عنصر غير منضبط حاول فعل شيء ضد إرادة قيادة الجيش، لم تحدث على الإطلاق على مدى السنوات الست الماضية من الحرب في سوريا.
السؤال الخامس عشر: هل حذركم الروس قبل الضربة الأميركية؟ وهل كانوا موجودين في القاعدة الجوية؟
الأسد: لا، لم يحذرونا؛ لأنه لم يُتح لهم الوقت لتحذيرنا؛ لأن الأميركيين أخبروهم ربما قبل الهجوم ببضع دقائق، أو كما يقول البعض بعد الهجوم؛ لأن الصواريخ تستغرق بعض الوقت للوصول إلى القاعدة. لكن في الواقع، كان لدينا مؤشرات على أن شيئاً سيحدث، فاتخذنا العديد من الإجراءات في ذلك الصدد.
السؤال السادس عشر: هل تؤكدون أن 20 في المائة من قوتكم الجوية قد دُمرت في هذا الهجوم، كما يقول الأميركيون؟
الأسد: لا أعرف المعايير أو الإطار المرجعي لنسبة الـ20 في المائة. ما هي المائة في المائة بالنسبة لهم؟ هل يشير هذا إلى عدد الطائرات؟ هل يشير إلى النوعية؟ هل يشير إلى الطائرات العاملة أو المخزّنة؟ لا أعرف ما يقصدونه بهذا. لا، في الواقع، وكما أعلنا نحن والروس، فقد دُمرت بضع طائرات، معظمها طائرات قديمة، وبعضها لم تكن طائرات عاملة في كل الأحوال.
هذا هو الواقع، والدليل هو أننا، ومنذ الضربة، لم نتوقف عن مهاجمة الإرهابيين في سائر أنحاء سوريا، ومن ثم، فإننا لم نشعر بأننا تأثرنا بها فعلياً. إن قوتنا النارية وقدرتنا على مهاجمة الإرهابيين لم تتأثر بهذه الضربة.
السؤال السابع عشر: حكومتكم قالت في البداية إنكم ضربتم مستودعاً للأسلحة الكيماوية. هل هذا صحيح؟
الأسد: هذا أحد الاحتمالات؛ لأنك عندما تهاجم هدفاً للإرهابيين، فإنك لا تعرف ما يحتويه. تعرف أن هذا هدف، يمكن أن يكون مستودعاً، أو معسكراً، ويمكن أن يكون مقراً، لا نعرف. لكنك تعرف أن الإرهابيين يستخدمون هذا المكان فتهاجمه، كأي مكان آخر، وهذا ما نفعله منذ بداية الحرب وبشكل يومي، وأحياناً كل ساعة، لكن لا تستطيع معرفة ما بداخله.
ومن ثم، كان ذلك أحد الاحتمالات، وهو أن الضربات الجوية استهدفت مستودعاً للمواد الكيماوية. لكن هذا يتناقض مرة أخرى مع توقيت الإعلان، ليس فقط لأن الإرهابيين وحدهم هم الذين أعلنوا ذلك في الصباح؛ بل لأن وسائل إعلامهم، وصفحاتهم على تويتر وعلى الإنترنت أعلنت الهجوم قبل بضع ساعات من توقيت الهجوم المزعوم، وهو الرابعة صباحاً. في الرابعة صباحاً، أعلنوا أنه سيكون هناك هجوم كيماوي، وينبغي أن نكون مستعدين. كيف علموا بذلك؟
السؤال الثامن عشر: ألا تعتقدون أن خان شيخون تشكل انتكاسة كبيرة بالنسبة لكم؟ للمرة الأولى منذ 6 أعوام، تهاجم الولايات المتحدة جيشكم. وبالأمس وبعد شهر عسل قصير، قال تيلرسون إن حكم عائلة الأسد شارف النهاية.
الأسد: ليس هناك حكم لعائلة الأسد بأي حال من الأحوال في سوريا. إنه يحلم، أو لنقل إنه يهلوس. إننا لا نضيع وقتنا على تصريحه. في الواقع، إن الولايات المتحدة كانت ضالعة على مدى السنوات الست الماضية في دعم الإرهابيين بكل مكان من سوريا، ومن ضمن ذلك داعش والنصرة وجميع الفصائل التي تشاطرها العقلية نفسها في سوريا.
هذا واضح ومثبت في سوريا، لكن إذا أردت أن تتحدث عن الهجمات المباشرة، فقبل بضعة أشهر فقط، حدث هجوم أكثر خطورة من الهجوم الأخير، قبل مغادرة أوباما منصبه مباشرة، أعتقد أن ذلك حدث قبل مغادرته ببضعة أسابيع. حدث ذلك في دير الزور بالجزء الشرقي من سوريا، عندما هاجموا جبلاً له أهمية استراتيجية كبيرة. هاجموا قاعدة نظامية للجيش السوري؛ ما ساعد داعش على الاستيلاء على ذلك الجبل.
ولو لم يكن الجيش السوري قوياً وصامداً بما يكفي لِصدّ هجوم داعش، لكانت مدينة دير الزور قد أصبحت الآن في أيدي داعش، وهو ما يعني ربط دير الزور بالموصل في العراق، وهو ما كان سيشكل مكسباً استراتيجياً جداً لداعش.
ومن ثم، فإن الحكومة الأميركية كانت ضالعة في ذلك بشكل مباشر. لكن لماذا لجأوا إلى الهجوم المباشر هذه المرة؟ فعلوا ذلك، كما قلت؛ لأن الإرهابيين في تلك المنطقة كانوا في حالة انهيار. ومن ثم، لم يكن لدى الولايات المتحدة أي خيار آخر سوى دعم وكلائها، أي الإرهابيين، من خلال مهاجمة الجيش السوري مباشرة؛ لأنهم كانوا قد أرسلوا إليهم جميع أنواع الأسلحة ولم ينجح ذلك.
السؤال التاسع عشر: إذاً، لا يعتبر هذا انتكاسة كبيرة بالنسبة لكم؟
الأسد: لا، إنه جزء من السياق نفسه المستمر منذ 6 أعوام، والذي اتخذ أشكالاً مختلفة، في حين أن جوهر السياسة الأميركية والسياسة الغربية حيال ما يحدث في سوريا لم يتغيّر على الإطلاق. دعك من التصريحات، فهناك أحياناً تصريحات عالية النبرة، وأحياناً تصريحات منخفضة النبرة، لكن السياسة هي نفسها.
السؤال العشرون: لقد دفعتم تدريجياً بأعداد متزايدة من المسلحين إلى إدلب. هل تخططون لمهاجمتها في المرة المقبلة؟
الأسد: سنهاجم الإرهابيين في أي مكان من سوريا، بإدلب أو في أي مكان آخر. أما التوقيت والأولوية، فتلك قضية عسكرية ينبغي أن تُناقش على المستوى العسكري.
السؤال الحادي والعشرون: قلتم سابقاً إن الرقة أولوية بالنسبة لحكومتكم، لكن القوات التي تتقدم إلى المدينة تتكون معظمها من الأكراد المدعومين من الولايات المتحدة. ألا تخشون من أن يتم إقصاؤكم عن تحرير الرقة؟
الأسد: لا، فنحن ندعم كل من يريد تحرير أي مدينة من الإرهابيين. لكن ذلك لا يعني تحريرها من الإرهابيين واحتلالها من قِبل القوات الأميركية، على سبيل المثال، أو من قِبل وكيل آخر، أو إرهابي آخر. ومن ثم، ليس من الواضح من سيحرر الرقة. هل ستكون فعلاً قوات سورية تسلّمها للجيش السوري؟ هل سيكون ذلك بالتعاون مع الجيش السوري؟ هذا لم يتضح وبعد. لكن ما نسمعه هو مجرد ادعاءات حول تحرير الرقة. ونحن نسمع هذا منذ نحو السنة، أو أقل من سنة، لكن لم يحدث شيء على الأرض. ومن ثم، فإنه لا يعدو كونه سؤالاً افتراضياً< لأن لا شيء ملموساً على الأرض. السؤال الثاني والعشرون: الولايات المتحدة وروسيا هما راعيتا عملية جنيف. بالنظر إلى التوترات القائمة بين البلدين، هل تعتقدون أن هذه العملية ستستمر؟
الأسد: ثمة فرق كبير بين أن تكون العملية نشطة، وهو ما يمكن أن يحدث في أي وقت، بمعنى إعادة تنشيط العملية، وأن تكون فعّالة. حتى هذه اللحظة، فإن العملية ليست فعّالة. والسبب هو أن الولايات المتحدة ليست جادة في التوصل إلى أي حل سياسي. يريدون استخدام العملية كمظلة للإرهابيين، أو أنهم يريدون أن يحققوا من خلال هذا المنبر ما فشلوا في تحقيقه على الأرض بميدان المعركة.
لهذا السبب، لم تكن العملية فعّالة على الإطلاق. الآن، نجد الوضع نفسه، ولا نرى أن هذه الإدارة جادة في هذا الصدد؛ لأنهم ما زالوا يدعمون الإرهابيين أنفسهم، ومن ثم، يمكننا القول: نعم، يمكن إعادة تنشيط العملية، لكن لا يسعنا القول إننا نتوقع أن تكون فعّالة أو مثمرة.
السؤال الثالث والعشرون: بعد 6 سنوات، سيادة الرئيس، ألا تشعرون بالتعب؟
الأسد: في الواقع، فإن الأمر الوحيد الذي يمكن أن يشكل ضغطاً عليك، ليس الوضع السياسي ولا الوضع العسكري؛ بل هو في الواقع الوضع الإنساني بسوريا؛ إراقة الدماء بشكل يومي، والمعاناة والمصاعب التي حلّت على كل بيت في سوريا، هذا هو الأمر الوحيد المؤلم الذي يمكن أن يُشعرك بالتعب- إذا جاز وصف ذلك بـ”التعب”. لكن إذا تحدثت عن الحرب، وعن السياسة، وعن العلاقة مع الغرب، فإنني لا أشعر بالتعب على الإطلاق؛ لأننا ندافع عن بلدنا، ولن نتعب على الإطلاق في الدفاع عنه.
السؤال الرابع والعشرون: ما الذي يحرمك من النوم؟
الأسد: مرة أخرى، معاناة الشعب السوري التي ألمسها عبر التواصل الإنساني بيني وبين كل عائلة سورية، بشكل مباشر أو غير مباشر، هي الأمر الوحيد الذي يمكن أن يحرمني من النوم بين وقت وآخر، لا التصريحات الغربية ولا تهديداتهم بدعم الإرهابيين.
السؤال الخامس والعشرون: هناك أشخاص من الفوعة وكفريا سينتقلون من هاتين القريتين إلى دمشق وحلب. ألا تخشون من أن هذا سيشكل تهجيراً للسكان وأن سوريا بعد الحرب لن تكون هي سوريا التي كانت موجودة قبل الحرب؟
الأسد: إن التهجير الذي يحدث في ذلك السياق تهجير إجباري. لم نختر ذلك. نتمنى لو أن كل شخص يمكنه أن يبقى في قريته ومدينته، لكن أولئك الناس، كالعديد من المدنيين الآخرين في مختلف المناطق، كانوا محاطين ومحاصرين من قِبل الإرهابيين، وكانوا يُقتلون يومياً، ومن ثم كان عليهم أن يغادروا. لكنهم بالطبع سيعودون إلى مدنهم بعد التحرير، وقد حدث ذلك في العديد من المناطق الأخرى التي عاد فيها الناس إلى منازلهم. هذا أمر مؤقت. أما الحديث عن التغييرات الديموغرافية، فإن هذا لا يخدم ولا يصب في مصلحة المجتمع السوري عندما يكون ذلك دائماً. لكن بما أنه مؤقت، فإنه لا يقلقنا.
أضف تعليق