أقلامهم

آفاق النضال الفلسطيني .. كيـف تتطـور حركـة حمـاس..؟

من الخطأ الانطلاق من ثبات التيار الإسلامي الفلسطيني بقيادة حماس على ذات الموضوعات التقليدية التي بدأ معها في العام 1988، لقد مارست حركة حماس الكفاح المسلح كما مارسته فتح، لكن حماس ستكتشف مع الوقت بأن موازين القوى تلعب دورا كبيرا في تحديد السياسات وأن النضال الشعبي بأنواعه وسيلة هامة للتحرر.

تطور حماس ارتبط بصورة اكبر بخصوصية القضية الفلسطينية وظروفها بأكثر مما ارتبط بموقفها الفكري والايديولوجي ذي الصبغة الدينية المؤمنة بتطبيق الشريعة. كل هذا تغير بتدرج وفي ظل حوارات خاضتها حول الآخر والاختلاف والبرنامج المرحلي والعلاقة بين الدين والدولة وأهمية تحرير الأرض واحترام التنوع. لهذا ستصدر حماس قريبا وثيقتها السياسية الأولى. فحماس ازدادت ارتباطا بالبعد الفلسطيني التحرري حول الأرض والحقوق.

وتدير حماس قطاع غزة منذ 2007، وهذا يضع عليها مسؤوليات جسام تؤثر في بنيتها. فهي تملك في غزة سلطة سياسية تعاني من تحديات الحكم وعليها أن تفكر كل يوم في اقتصاد غزة وحاجات سكانه اليومية وقوتهم. هذه مسؤوليات جسام لحركة مقاومة لم تصل لهدفها في ظل حصار يؤثر على أكثر من ميلوني إنسان هم سكان القطاع الذي لا تزيد مساحته على 1.5 ? من مساحة فلسطين.
لقد بنت حماس في قطاع غزة جيشا قادرا علي ممارسة النضال والحرب بصورة محترفة كما تبين في الحروب التي وقعت بين غزة والكيان الصهيوني كان آخرها في 2014. تلك القوات التي يقودها الجناح العسكري لحماس قوة مستقلة تمثل نواة لجيش تحرير فلسطيني. وفي الكثير من الأحيان وجود قوة كهذه دون الاضطرار لاستخدامها في كل وقت يمثل قوة ردع تجعل إسرائيل تحسب حسابات قبل توجيه ضربة عسكرية تنعكس على أمنها في المناطق المتاخمة لغزة. حماس تعي بنفس الوقت أن هذه القوة يجب أن لا تستخدم بعبثية وبأسلوب يؤدي لتدمير غزة ووضع أعباء جديدة على أهلها، لكن التحضيرات العسكرية تشير إلى أن هذه القوة ستدخل في مواجهات قادمة في لحظات مفصلية قد تنتج تغيرات سياسية لصالح التحرر الوطني الفلسطيني.
لكن حركة فتح التي قادت النضال الفلسطيني عبر ممرات استراتيجية منذ العام 1965 ليست في وضع أفضل من حماس، فهي الأخرى محاصرة بجدار يحيط بكل الضفة الغربية، ومحاصرة باتفاقيات أمنية، بينما تسيطر إسرائيل على المعابر والسماء والمياه والاقتصاد، فالسيادة لإسرائيل في الضفة التي تأخذ كل يوم قطعة جديدة منها. لقد تورطت حماس في الانقسام، لكن فتح هي الأخرى تورطت في ذات الانقسام، فظروف الانقسام بين غزة والضفة الغربية موجودة في الحالة الفلسطينية وفي الدور الأميركي والإسرائيلي المؤثر منذ انتهاء الانتفاضة الثانية عام 2005.
إن كل من فتح وحماس في أزمة وجودية، ولا حماية لكل منهما بلا وحدة حقيقية ضمن تطمينات واضحة حول التعامل والحقوق. حماس تخشى أن تصبح ضحية للتعاون الأمني ويفرض عليها حل جيشها ويصبح وضعها في غزة والضفة كوضع المعارضات العربية في كل مكان في العالم العربي، وهذا يجب ألا يقع. بينما تخشى فتح من طموح حماس الساعية نحو تطبيق الشريعة الإسلامية وإسقاط فتح وبرنامجها حول الدولة الفلسطينية. التطمينات المتبادلة يجب أن تكون ضمانة للعلاقات في ظل رؤية للتحرر الوطني. ولهذا تمثل وثيقة حماس التي ستنشر هذا الشهر مدخلا لبناء لحمة سياسية حول مهام التحرر الوطني في الضفة والقدس وقطاع غزة بصفتها مناطق يعترف بها العالم بأنها خاضعة للاحتلال وان انسحابه منها مرتبط بالشرعية الدولية. إن إعادة اللحمة للحركة الوطنية الفلسطينية بما يشمل الفلسطينيين في فلسطين وفي الشتات سيتطلب الشراكة الواضحة بين حماس وفتح، وهذا يجب أن ينتج استعادة دور منظمة التحرير الفلسطينية. الوضع الراهن في الساحة الفلسطينية محاصر، لكنه ينتظر حالة تنقله من وعي لآخر ومن تجربة لتجربة جديدة تعزز عوامل الثقة بالذات والمستقبل.

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.