بداية نهنئ أنفسنا بعودة مسلم البراك لميدان الحرية والعمل السياسي؛ لإثراء الساحة، وتحريك المياه الراكدة، ودعم التوجهات الإصلاحية التي تقاتل من أجل ترسيخ مبادئ الحرية والعدل والمساواة؛ تلك المبادئ التي بدأت مجاميع الفساد تتحرك لإجهاضها، وتلك الحقوق التي تعمل هذه المجاميع لحرمان أصحابها منها، ولعل أبرزها عودة الجناسي المسحوبة إلى أصحابها، بعد أن تم التفاهم على ذلك مع أصحاب الشأن.
اليوم يتقدم عدد من الإخوة النواب باستجوابات لرئيس الحكومة، وهذا حق لا جدال فيه، وبعض هذه الاستجوابات في مواضيع مستحقة، ومن الممكن أن يتم تقديم طلب إعلان عدم التعاون مع رئيس الحكومة بعد مناقشة أي من الاستجوابين، وليس في الأمر بدعة، فقد تم تقديم أكثر من استجواب لأكثر من رئيس وزراء، وأصبحت الساحة السياسية متقبلة مثل هذه الأمور، ولكن…!
هذه المرة الأمور والظروف فيها شيء من الاختلاف لا بد من الإشارة إليه، فموضوع إعادة الجناسي، التي سُيِّرت من أجلها المسيرات ودخل من أجلها النشطاء إلى السجون، لم تتمكن قوى الحراك الشعبي من استرجاعها، فكانت من أسباب العودة إلى مقاعد التشريع بعد مقاطعة مستحقة لها فيما مضى! وفعلاً تمكّن العائدون من المقاطعة من التوصل إلى اتفاق مبدئي، وليس قانونياً، مع أصحاب القرار لإعادة الجناسي إلى أصحابها، وتم التفاهم على ذلك بعد أن طُلِب منهم عدم استجواب رئيس الوزراء وتوجيه المساءلة السياسية إلى الوزراء، كل في ما يخصه؛ فرأى النواب، الذين كانوا يمثلون أكثر من عشرين نائباً من نواب المعارضة السياسية، أن هذا التفاهم مقبولٌ في حدوده الدنيا، خصوصاً أن إسقاط رئيس الحكومة لم يكن في يوم من الأيام من أولويات المعارضة ولم يكن ضمن بنود برنامجها الانتخابي! لذلك تنفس الناس الصعداء بعد الإعلان عن هذا التفاهم، واستبشروا خيراً، ورجعت الابتسامة إلى شفاه الأسر المبعثرة، وأصبح الأمل في الانفراج قاب قوسين أو أدنى، لكن الأمور لم تكن بهذه السهولة؛ فاللاعبون خارج حلبة الصراع والتنافس على الحكم أزعجهم أن يعود الاستقرار السياسي والتفاهم بين السلطتين إلى الساحة، وتم استغلال مبدأ «عدم جواز تحصين رئيس الوزراء» في الطعن بالتفاهم الذي تم، ولم تسعف بساطة بعض النواب وطيبتهم في تجاوز المخطط الذي يديره هؤلاء اللاعبون، فتم تقديم استجوابين لرئيس الحكومة في وقت حرج للمعارضة السياسية، حيث كان يسعهم الانتظار لحين عودة الجناسي إلى أصحابها ومن ثم يقدمون استجوابهم، لكن تعجلهم وعدم انتظارهم يجعلاننا نسيء الظن في نوايا البعض، ونقول إن الهدف إحراج المعارضة ووضعها في زاوية حادة، ولو على حساب استمرار معاناة العوائل وحرمانها من العيش الكريم!
اليوم أمام المعارضة طريقان أحلاهما مر وضعهم فيهما زملاء لهم في مجلس الأمة، مع الأسف؛ الاول دعم الاستجواب وتأييده والعمل مع مقدميه لإسقاط رئيس الحكومة، وعدم الالتفات إلى الكلمة التي التزموا بها وعدم إعطاء عوائل المسحوبة جناسيهم أي اعتبار، وهنا سيحصّلون التصفيق – إن حصلوه – من الخصوم السياسيين. أما الثاني فهو احترام التفاهم المذكور وعدم تأييد الاستجواب، وهذا لا يعني معارضته أو العمل ضده أو الانكار على مقدميه، وستكون النتيجة أن يتم استجواب رئيس الحكومة ولكن مع استمراره في عمله، في المقابل عودة الجناسي إلى أصحابها! وسيترسخ مبدأ جديد أن الإصلاح ممكن أن يتم من دون نبرة صوت عالية، ومن دون تأزيم ومن دون الإخلال بمبادئ الرقابة والتشريع والمحاسبة!
بقي أن أنبه المعارضة إلى أن الحكومة ما لها أمان في كثير من التجارب معها، لذلك لا بد من التأكد من احترامهم هم لمبدأ الاتفاق والتفاهم وإلا فتفعيل الأدوات الدستورية لا بد أن يكون أولوية في هذه الحالة! هذا رأي شخصي لا يتحمله غيري!
أضف تعليق