أقلامهم

خطاب البراك الدفاعي

اينشتاين يقول: “المجنون هو من يكرر التجربة نفسها بالمعطيات ذاتها وينتظر نتيجة مختلفة”.

وبعد خروج البراك من محبسه، وهو بهذه الشعبية الجارفة، والكلمة المسموعة، والتأثير القوي على الناس، كان أمامه طريقان عليه أن يسلك أحدهما؛ إما أن يفكر بعقلية الجندي الانتحاري، فيتصرف كالهندي الأحمر، ويطلق صرخاته القوية وهو يداعب شفاهه بأصابعه، ويهجم على خصمه بصدر مكشوف، وهو ما يتمناه خصمه… وبهذا سيجد قبولاً من خمسين انتحارياً آخرين، يريدون هذا النوع من المواجهة. لكنه ومعه هؤلاء الخمسون، أو المئة مقاتل، أو المئتان، سيُقتَلون سياسياً في بداية المعركة، بل في الثواني الأولى منها، فيهاجر منهم من يهاجر، ويقبع في السجون من يقبع، ويعاني البقية معاناة فظيعة، ووو… فينتهون وتترحم عليهم الأجيال.

أو، وهذا هو الطريق الثاني، أن يفكر البراك بعقلية القائد، كما كنت أكرر دائماً في برنامجي التلفزيوني، أو في محادثاتي القليلة معه. فيحسب أدواته وأسلحته جيداً، ويقارنها بأدوات خصمه وأسلحته، ويقيس مساحة الميدان، وتضاريس المنطقة، وخطوط التقدم والانسحاب، وكمية المياه والغذاء المتوافرة له وللخصم، وبقية عوامل الفوز والهزيمة… ثم، بعد الاطلاع على هذا كله، يقرر الهجوم أو التقدم أو الدفاع أو الانسحاب.

البراك اختار الدفاع، مع مناوشات خفيفة ومفاوضات مكثفة، من بين الاختيارات الأربعة (الهجوم والتقدم والدفاع والانسحاب). وهو ما أحدث ارتباكاً شديداً في صفوف خصومه، بل وفي جزء من صفوفه. إذ اعتاد الناس على رؤية البراك مهاجماً.

عن نفسي صفّقت واقفاً لاختياره الدفاع، وأزعم أنني من دعاة هذه الفكرة، بدءاً من تشجيع الناس على المشاركة في الانتخابات، وليس انتهاءً بمقايضة الحكومة في موضوع الجنسيات.

لكن دور البراك لا يتوقف عند اختيار الدفاع فقط، بل يجب أن يتمكن من ترتيب الصفوف جيداً، فإن لم ينجح في ترتيب صفوفه، أو لم تساعده التيارات السياسية في ذلك، فستستمر الكويت تنزف وتنزف وتنزف… وآخر النزيف الموت.