في عام 1983 كنت في بيركلي / كاليفورنيا في سنة تفرغ علمي، وكان بين بيتي والجامعة مكان يبيع فيه المزارعون منتجاتهم الطازجة وكنت أتزود منه بحاجتنا لأسبوع كامل، ومرة عبأت العربة باحتياجاتي ووقفت في صف المحاسبة، وهنا بدأت القصة مع رجل كان يبدو عليه الامتعاض من كل شيء.
وأخذ بالحديث معي وعرف أني عربي مما دفعه إلى أن يدس في جيبي كتيبا صغيرا وقال لي اقرأه في بيتك ولا تفتحه هنا، وضغط على جيبي كأنه يخشى من ظهوره، وحين عدت لسيارتي اكتشفت أن الكتاب بيان حزبي شيوعي، وحينها فهمت تخوفات الرجل، وأنا أختزن قصص المكارثية وقصة حرمان جورج أرويل من تأشيرة لأميركا لأنه رفض الجواب عن سؤال:
هل كنت عضوا في حزب شيوعي، وهو سؤال كان حينها يوجه لطالبي التأشيرات لأميركا، وقصتي كانت في فترة نهوض الريجانية، وحرب أميركا على الاتحاد السوفياتي.
وكل هذا ورد على تداعياتي، ولكني- مع هذا- لم أتفهم كيف يتخوف أميركي أبيض من كتيب ماركسي حتى ليدسه في جيبك بعد أن يشعر أنك رجل مناسب في لحظة مناسبة، وهذا أعادني إلى زمن الروايات مثل رواية الأم لماكسيم جوركي، ورواية في بيتنا رجل لإحسان عبد القدوس، مما أشعرني أني صرت مثل أبطال تلك الروايات، أستقبل المنشور السري وأتحرك معه كما تحرك أبطال الروايتين، بتستر وتخوف كي ينتقل المنشور من جيب إلى جيب، ولكن منشوري هذا انتقل من جيبي إلى صندوق النفايات في مرآب جامعة بيركلي، وكنت قد فرغت من قراءته في ثلاث وقفات مع إشارات المرور الحمراء، مثل حمرة المنشور، ولم يك فيه شيء جديد سوى أنه صنع لي شعورا بأني صرت كائنا روائيا لمدة نصف ساعة.
أضف تعليق