في معظم الأحيان وفي كثير من الدواوين عندما يطرح السؤال عن سبب تنامي الطائفية في السنوات الأخيرة يكون الجواب الذي ينبري له كثير من السياسيين والمهتمين بالشأن العام إن السبب هو الحكومة، وأحيانا يقال السلطة أو الأسرة فهي التي فعلت وشجعت، وكذلك إذا سألت عن سبب تضاعف الجرعة القبلية والعائلية في العمل السياسي أتاك الجواب أيضا إنها الحكومة أو السلطة ولأسباب معروفة.
وكذلك لو سألت بعض النواب عن الاقتراحات الشعبوية المدمرة للوضع المالي والاقتصادي للبلاد، ولماذا لا يتصدى النواب الآخرون لها؟ فسيجيبونك على الفور إن الحكومة هي السبب لأنها “قاعدة تلعب” بالفلوس، وهي أكبر مهدر للمال العام، فلماذا نخسر شعبيتنا ونحن منتخبون؟
فالحكومة هي التي يجب عليها الوقوف ضد هذه الاقتراحات، وهكذا يكون الجواب دائما هو الحكومة أو السلطة، هذا للأسف هو عذر كثير من السياسيين اليوم، مع أنه لم يكن موجودا عندما بدأنا العمل السياسي قبل أكثر من ثلاثين عاما أو على الأقل ليس بهذا الزخم والوضوح.
المفروض أن يقوم الأعضاء في السلطة التشريعية بتقويم الحكومة لا مشاركتها الخطأ، فمثلا عندما تخطئ الحكومة في الكوادر، والمعاشات الاستثنائية، والعلاج في الخارج، وفي عدم تحصيل حقوق الدولة، ويجمع الاقتصاديون على مدى تدمير هذه الاقتراحات الشعبوية للاقتصاد الوطني، لا يكون الحل بمشاركتها بكوادر جديدة، وتفليس مؤسسة التأمينات ومزيد من العلاج في الخارج، وإسقاط حقوق الدولة من فواتير وديون، ومزيد من الاختلالات المالية والاقتصادية، وإنما الواجب هو الأخذ على يدها وإصلاحها.
وإذا كانت الحكومة أو السلطة الفعلية قد شجعت الطائفية والقبلية لأسباب عديدة فإن أسوأ ما قد يحدث هو أن يواكب بعض السياسيين والأعضاء هذه الموجة التي طغت للتكسب شعبيا من سعة انتشارها وسيطرتها على عقول كثير من الناس، وذلك بدلا من أن ينبري النائب أو السياسي للتصدي لها ولو على حساب شعبيته.
وإذا كنت أيها النائب تسعى إلى الشعبية على حساب المصلحة العامة فالحكومة أو السلطة حريصة على “هيك” شعبية أيضا، ولكنها قد لا تعاني ما سيعانيه الشعب إذا وقع الضرر في المستقبل، وكم أعجبتني جملة أوردها تقرير الشال يوم أمس “الحكومة ليست هي الدولة وإن الحفاظ على ديمومة الدولة مسؤولية الجميع”.
لذلك أقول لمن يسلك هذا المسلك من النواب عيب عليك أن تغمز وتهمز في طائفة أو قبيلة أو عائلة لتكسب انتخابات مؤقتة ومنصبا زائلا لا محالة، وعيب أيضا أن تسكت على ممارسات سياسية أو طلابية أو مالية مدمرة يكون أساسها القبيلة أو الطائفة أو العائلة أو اقتراحات الكسب المالي غير الحصيف بحجة أن الحكومة تفعلها أو ساكتة عنها.
إن دور النائب أو السياسي وغيره من قادة الرأي في أي بلاد من العالم هو التصدي لأخطاء السلطة وقيادة الجماهير للطريق القويم لا مجاراتهم في الخطأ لكسب الشعبية لأن الثمن، لا قدر الله، سيكون غاليا كما رأينا في دول قريبة منا، وهو وحدة الوطن واستقراره.
أضف تعليق