سبق أن تطرقنا إلى أهمية ضبط المصطلحات السياسية المُستخدمة ومن ضمنها مصطلح “المعارضة” كي لا يُشوه معناه ويُستخدم في غير محله، فليس كل من يدّعي المعارضة هدفه تقدم المجتمع ورقيه، إذ إن هناك مجاميع سياسية وعناصر تُسميّ نفسها “معارضة” وهي، في واقع الأمر، تستهدف العودة بالمجتمع قروناً سحيقة للوراء، وبعضها يعارض الإصلاح والتغيير ويحاول الإبقاء على الأوضاع الحالية؛ لذلك تُطلق على نفسها أحياناً “القوى المحافظة”، أضف إلى ذلك أن هناك عناصر انتهازية تستخدم مصطلح المعارضة لأهداف شخصية، ومن أجل تكسب مصلحي آني.
عند ضبط المصطلح ووضعه في سياقه الصحيح، سيتضح أن “المعارضة” لدينا هي عبارة عن جماعات ضغط سياسية وبعض العناصر الذين ينتقدون بعض السياسات الحكومية، ثم يحاولون التأثير في القرار الحكومي والمطالبة بالإصلاح السياسي والديمقراطي ضمن الأطر الدستورية، إذ ليس هناك من يطالب “بقلب نظام الحكم” كما تزعم، كذباً، بعض الأطراف الفاسدة.
من ناحية أخرى فليس لدينا أحزاب سياسية كما يفترض في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية، وبحسب نصوص الدستور، ليس هناك تداول ديمقراطي وسلمي للسلطة بحيث تتشكل معارضة رسمية وحقيقية يكون هدفها المشروع هو الوصول إلى السلطة التنفيذية وطرح برامج سياسية بديلة. هذا ناهيك عن أن العمل السياسي غير مُنظم، إذ بإمكان أي شخص بمفرده أن يرفع “يافطة” ويزعم أنه تنظيم سياسي، ثم ينتقد بعض قرارات الحكومة، أو أنه يفتح حساباً على وسائل التواصل الاجتماعي وينتقد تجاوزات تحصل في أجهزة الحكومة.
هذا الوضع المختل وغير السليم الذي تعمل السلطة وتيارات الإسلام السياسي على استمراره، شوّه العمل السياسي، وقلل من قيمة الآليات الديمقراطية كالانتخابات العامة التي تكون في الدول الديمقراطية ساحة “معارك” سياسية تدور حول برامج عامة ووطنية، تستهدف معالجة مشاكل المجتمع والبحث في الوسائل الكفيلة بتقدمه واستدامة موارده الاقتصادية، فضلاً عن أنه ساهم في تهميش دور المؤسسة التشريعية (مجلس الأمة).
ومع الأخذ في الاعتبار بكل ما سبق، ومع أن المعارضة السياسية ليست حكراً على طرف سياسي معين، إلا أنه من المهم، مرة أخرى، ضبط المصطلحات، وتسمية الأشياء بأسمائها الصحيحة، بحيث يتحدث كل طرف سياسي عن نفسه ومن يُمثله فقط، كي لا يختلط الحابل بالنابل، فيزعم كل من هبّ ودبّ تمثيله للمعارضة ككل، فتستمر حالة الفوضى السياسية التي تخلقها منظومة الفساد السياسي المؤسسي، وتعمل بكل قوتها ونفوذها على ديمومتها، بحيث يفقد المواطنون أي أمل في الإصلاح السياسي والديمقراطي.
أضف تعليق