في بعض الأحيان، تقوم المسلسلات الدرامية والأفلام السينمائية بالتوقع للمستقبل، من خلال الظروف المتخيلة التي يختلقها مؤلفو الأعمال الفنية لمحاكاة الواقع. وفي بعض الأحيان، تتنبأ الأعمال الفنيّة بكوارث وحروب وحوادث أليمة. وذلك هو حال مسلسل “ضيعة ضايعة” الذي أنتج الجزء الأخير منه في سورية سنة 2010، قبيل الثورة السورية، وتمكَّن من التنبؤ بالعديد من الأمور والحوادث التي تمت بالفعل، ومنها:
سرقة سورية
في إحدى حلقات الجزء الثاني، والتي تحمل عنوان “أم الطنافس التحتا”، توفد إلى ضيعة “أم الطنافس الفوقا” بعثة إيطالية للتنقيب عن الآثار، وتنجح بالعثور عليها. ولكن مصير الآثار السورية، بحسب المسلسل، هو السرقة من قبل السلطات السورية، وذلك ما تحول إلى واقع بعد أعوام، إذ قامت السلطات السورية بالمتاجرة بآثار البلاد في سنين ما بعد الثورة. وتم ذلك في معظم الأحيان بالتعاون مع “داعش” الذي لعب لعبة “الكر والفر” في تدمر، ليتيح للنظام الفرصة لإفراغ المدينة العريقة من محتوياتها الأثرية. ولا يختلف الحال أيضاً في مسلسل “ضيعة ضايعة”، إذ تتّهم السلطات السورية أهالي “تخريمة الفوقا” بالجريمة، ويتضح بحلقات أخرى، أن أهالي “تخريمة الفوقا” ينفذون الأعمال غير القانونية بالتواطؤ مع النظام.
قصف الحكومة للبلد
وفي حلقة “عن طريق التسلسل” من الجزء الثاني أيضاً، يقوم أهالي “أم الطنافس الفوقا” بكتابة اعتراضاتهم على عريضة ليقدّموها لمجلس الشعب، بعد أن أهملت جميع دوائر السلطة ضيعتهم، وتتسبب هذه العريضة بنزوح أهالي “أم الطنافس” عن ضيعتهم، والتي يتم قصفها في نهاية المطاف. وهذا بالضبط ما حدث في سورية بعد اندلاع الثورة، فالشعب السوري دفع ثمن اعتراضه، فهُجِّر الناس من منازلهم، ودمرت مدنهم.
هجرة السوريين الجماعية إلى أوروبا عن طريق البحر
في حلقة “يا بحر يا بو اليتامى”، يقرر أهالي “أم الطنافس الفوقا” أن يهاجروا هجرة غير شرعية إلى أوروبا عن طريق البحر، وهذه الرحلة التي جسدها المسلسل قبيل الثورة أصبحت تمثل الصورة النمطية للسوريين في الزمن الحالي؛ ولكن أسباب الهجرة في “ضيعة ضايعة” تكمن في الضيق الاقتصادي الذي يعاني منه الشعب السوري من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن بعض الحوارات تشير إلى أن سبب الهجرة هو تذمر المواطنين من الأحوال الأمنية، إذ يقول “جودة أبو خميس” عندما يعلم بأن التنقل بيد الدول الأوروبية لا يحتاج إلى أوراق: “والحشا هي أحلى شغلة بأوروبا، بتسافر فيها كلها وما حدا بيطلب هويتك، أما عندنا بالضيعة، أبو نادر بيشوفك مرتين بالنهار، وبيطلب هويتك خمس مرات”، ليبدو أن المسلسل استبق الأحداث، حتى في ما يتعلق بالتشديد الأمني.
نهاية الشعب بالكيماوي
قد تكون نهاية المسلسل هي أغرب ما فيه، فالمسلسل ينتهي بمواقف بطولية للشخصيات تؤدي لحصولهم على حصصهم من الغاز الكيماوي الذي أباد ضيعة “أم الطنافس”، ليبدو أن المسلسل تنبأ باستخدام النظام للكيماوي قبيل انطلاق الثورة، وهو الأمر الذي لم يكن ليخطر على بال أي أحد بأن يحدث حينها. وينتهي المسلسل بلقطة تتحول فيها البلاد كلها للون الأصفر، لتبشر بالحاضر الأليم.
أضف تعليق