حين دخلت السجن أول مرة زارني سعود العصفور ذات يوم متعثر الخطى شاحب الوجه يكاد ينفجر منه الوجع وأعطاني مبلغا من المال بطريقة ما قائلاً لي: هي لك ولرفاقك صقر وراشد، أعلم أنها لا تكفي حقك علي لكن أخبرني ماذا عساي فاعلاً حتى لا تشعر بأنك وحدك خلف قضبان حديد موحشة تكاد تكون مثل قول المتنبي:” وحيدٌ من الخلان في كل بلدةٍ/ إذا عظُم المطلوب قلّ المُساعدُ”.
“يا عياد أنت ترفع الراس دوم. مهما يكن ومهما ارتديت زي السجن ووضعوا بيدك الأغلال خلف قضبان لم تُفرّق بين مدمن مخدرات وقاتل ومغتصب للأطفال وبين كاتب رأي كل جريرته أن عبّر عن رأيه، لكن هذه الزنازين يا ابني مؤلم أن لا تمتلئ بكثير من الفاسدين سراق المال العام وخائني الأمانة والعهود”.. كانت هذه جزء من كلماته فك الله عوقه بزيارته الأخرى لي فترة سجني الثانية.
لم يكن الغالي سعود “حي الله زائر سجن”، بل كان ولا يزال رفيق درب علّمني الكثير من الأشياء التي لم أتعلمها في فصول الدراسة ولم أقرأها في الكتب. كان أبو عبدالعزيز ولا يزال أشجع الأصدقاء مِقدام لا يهاب أحداً من البشر قط، ولا يخاف في قول الحق لومة لائم، كنت وما زلت بجانبه مثل شاب لتوه يكتشف عالم الحقيقة بمآسيها ومآلاتها وما تنتهي اليه أسير بفخر وعزة وأشير إلى الناس بإصبع السبابة هذا رفيقي سعود، هذا سعود العصفور الذي علّمني الحياة وكيف أسير في حقل الحقيقة ولا اُبالي.
رأيت في هذا الوطن شرفاء كثر وهذه واحدة من أفضاله علينا بأن لا نستوحش طريق الحق لكثرة سالكيه، لكن مثل سعود لم أرى ولو حتى بالرمز الوطني مسلم البراك ولا بأحمد الخطيب ولا بفيصل المسلم ولا بغيرهم ببساطة لأنه كان يُقدِم دون أن يطالبه منصب ولا أحد بشيء. كانت دوافعه ومنطلقاته وطنية وأخلاقية ممتلئة بالمرجلة لذلك أنا أحبه ودائماً أفتخر به.
لم يكن سعود العصفور مُطالباً ومجبراً على إنشاء الشبكة الوطنية أشهر منتديات الكويت في الشبكة العنكبوتية التي كشفت وحاربت فساد السلطة، ولم يكن سعود كذلك مجبراً على كشف الفساد دوماً ونقل الحقيقة ما استطاع إلى ذلك سبيلا ولا دعم نواب المعارضة بالخفاء والعلن ولا التضامن مع المعتقلين والتواصل مع أهلهم ولا الكثير من الأعمال التي لا تنم إلا عن “مرجلة” دائمة، لذلك أنا دوماً يا سعود سأحبك ودوماً سأفتخر بك.
يا سعود أنا آسف على كل دمعة سقطت من عيني وجعاً على سجنك وما أكثر دموعي حتى هذه اللحظة. لذلك يا “صاحبي لاتملّ الغناء، فما دمت تنهل نبع صفو الينابيع شُقّ بنعليك ماء البِركْ”، وتعال نضحك سوياً على وطن سجنك وترك الكلاب تنبح زورا وبهتانا بالخارج.
وإن كان لي من دعاء مقترح، فعلى خطيب الجمعة القادمة أن يوحّد دعاءه للمصلين باللهم أرزق أبنائنا رفقاء درب مثل سعود عبدالعزيز العصفور، يستمدون منه قِيم عليا مثل النبل والوفاء والإخلاص، فلكل قيمة إنسانية ووطنية أقم الصلاة فمثل سعود العصفور قِبلة. اللهم آمين.
أضف تعليق