أقلامهم

هل يوجد حل لهذا الشلل؟

وقف السرقات، وتعيين الوافدين في الحكومة، وتشجيع الشباب على العمل بالقطاع الخاص، كل هذه العبارات السابقة التي يرددها النواب وغيرهم هي كلام “مأخوذة زبدته”، ولا جدوى منه، حين تواجه الدولة أزمة البطالة القادمة قريباً وقريباً جداً. الوافدون لا يشكلون نسبة كبيرة من موظفي الحكومة وإحلال الكويتيين مكانهم، إن أمكن ومن دون عرقلة العمل الإداري بافتراض كفاءة الموظف المواطن وتحمله المسؤولية الإدارية، لن يحل المشكلة “المصيبة”، والحديث عن وقف الهدر ووضع حد لميكنة الفساد لن يحل المشكلة أيضاً.

الفساد هو جزء أصيل من بناء الدولة، هو الريع أي العائد المالي دون عمل إنساني، وبطبيعة الحكم وتركيبة الدولة منذ تصدير النفط وسياسة التثمين هو الدم الذي يسري في عروق الإدارة السياسية، ولا يمكن لنا أن نتصور أن تعيش الإدارة دونه، إلا إذا نضب البترول تماماً، أو لم تعد قيمته كالسابق، وتم “تكييش” الصناديق السيادية، وعندها لا مكان للحديث عن ديمومة الدولة.

كلام مثل إحلال القطاع الخاص مكان الحكومة لاستيعاب آلاف القادمين لسوق العمل هو نكتة اليوم، يحصرنا الخيال هنا بصورة مندوب بيع سيارات كويتي يقف مكان الوافد العربي في وكالة بيع سيارات، يتحدث عن المواصفات الجديدة لسيارة يريد تسويقها لمشتر محتمل لا يملك ثمن الشراء لا نقداً ولا بالأقساط!

لنكف عن ترويج الوهم وتسويق الأحلام عن الدولة المنتجة القادمة، حين يتحدث مسؤول مثل وزير المالية في لقاء صحافي، ويقول ضمناً إن نزول أسعار النفط سيكون فرصة لتصحيح الأمور، هو بالطبع فرصة لو كانت الإدارة السياسية التي فتحت أبواب الوظيفة العامة بالماضي بأقصى حدودها، وشرعت الكوادر الاستثنائية، ووزعت المنح والعطايا على المقربين، وتغاضت عن الفساد الصغير والمتوسط (الرشا والمحسوبيات والإهمال في الواجبات العامة في جهاز إداري متضخم غير منتج وغير قابل للعقوبة الإدارية) كي يغمض الناس عيونهم عن الفساد الكبير تغيرت، وتبدلت نظرتها السياسية وخطابها العام المستهلك، لكنها كما ترون هي “شوفة عينكم” لا جديد تحت الشمس.

الحل الوحيد المتخيل، وكررته “كم مرة”، إن لم تملكوا بعض المال، أو الاستثمار في الخارج يضمن الغد، هو التعليم الجيد لأبنائكم وبناتكم إن لم يفت الوقت، بحيث يستطيع هؤلاء العمل في أي مكان محترم خارج الحدود، أما التعليم الحالي ومناهجه الكارثية التي شرعت منذ ستينيات القرن الماضي المحصورة في ثقافة أغسل يدي قبل الأكل وبعده… فلا مكان لها في عالم التحدي والبقاء للأصلح، والأصلح هو من يستطيع أن يتأقلم مع التحديات الجديدة ويتغير تبعاً لتغير الظروف.

خطابي متشائم، والتشاؤم يعني رؤية واقعية للحاضر، لا يرسم صورة وردية كاذبة، المتشائم يقرأ الواقع كما هو، لا يخدع نفسه ولا غيره، الاقتصادي جاسم السعدون ربما يمثل صوراً رائعة للمتشائم، الذي بح صوته، هو وغيره، لسنوات طويلة دون جدوى، فالجماعة الجالسون في الأدوار العليا كانوا لاهين في تكديس ثروات خيالية لأرصدتهم المالية، والأكثرية من المحكومين كانوا مغيبين عن الصورة الحقيقية للمستقبل، بسبب ترسخ عقلية الثبات القدرية وتخدير الوعي العام بالدينار الريعي. هناك الكثير يقوله جاسم السعدون وغيره من الدارسين الخليجيين في مجموعة “مركز دراسات الخليج لسياسات التنمية”، بعنوان “الثابت والمتحول 2017، الخليج والإصلاح الاقتصادي في زمن الأزمة النفطية”. يمكن تنزيل البحوث من الإنترنت عبر الموقع الذي تم ذكره، قد تحرك هذه الكتابات قليلاً من الوعي الخامد بدولنا اللاهية بيومها ونست غدها.

ملاحظة: نبهني الصديق د. ناجي الزيد عن مقالي السابق بمقولة فالج لا تعالج، تعني الشلل النصفي وليس الصداع النصفي، يظهر أن حالنا السياسي والإداري هو أقرب لوصف الشلل النصفي من الصداع النصفي، وسيكون شللاً كاملاً إن لم تتغير الأحوال بمعجزة ما.

الوسوم

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.