كتاب سبر

مستقبل العراق بعد معركة الموصل

بالرغم من اقتراب نهاية معركة الموصل بين القوات العراقية و التحالف الدولي من جهة و تنظيم داعش من جهة أخرى ، إلا أن هناك غموض كبير حول مستقبل العراق بعد هذه المعركة التي تعتبر معركة مهمة ترسم صورة العراق المستقبلي و كشفت عن الحجم الكبير للخلافات الداخلية الموجودة بين الأطراف العراقية و ضرورة إيجاد حل لهذه الخلافات قبل الانتهاء من معركة الموصل حتى لا تكون نهاية المعركة بداية لصراعات جديدة في العراق.

من الواضح أن تدهور أوضاع العراق في الفترة الأخيرة كانت بسبب السياسات الخاطئة للحكومة العراقية السابقة من سياسات جائرة تجسدت في الاعتقالات التعسفية و عمليات الخطف و التساهل مع الميليشيات المسلحة و قمع الأصوات الحرة و الفساد الكبير في الدولة مما تسبب إحداث شرخ كبير بين المواطن و مؤسسات الدولة بحيث أصبح المواطن لايشعر بأن الحكومة تمثل تطلعات الشعب بل تمثل طغمة فاسدة تسعى لتحقيق مصالحها دون النظر لمصلحة المواطنين.
وكنتيجة حتمية لهذه الممارسات أصبح العراق دولة ضعيفة عاجزة عن توفير أبسط الخدمات للمواطنين و فرض السيادة و السيطرة على الدولة ، وكلما انخفض قوة الدولة إزداد قوة الميليشيات المسلحة التي أصبحت قوة نظامية تعمل تحت غطاء حكومي و ترتكب التجاوزات بحق المواطنين، وبالرغم من أن هذه السياسات الخاطئة كانت وراء تأزم الأوضاع إلا أنه بعد كل التدمير و الحوادث المؤلمة التي حصلت من فترة ظهور داعش إلى الآن لم يقرر السياسي العراقي أن يراجع الأخطاء السابقة و يحاول أن يتجنب إرتكاب هذه الأفعال التي تؤدي بشكل حتمي إلى نفس النتائج السابقة و تتسبب في إستمرار دوامة العنف و الفوضى في المجتمع في حال عدم تغيير عقلية الدولة في التعامل مع الشعب العراقي.
واليوم عندما نرى أن الميليشيات المسلحة في الموصل تهتم بالنصر السريع بغض النظر عن كمية الدماء و الاشلاء و التدمير التي يحصل في المدينة ، و نرى أنها تجرب كافة أنواع الأسلحة و تعتبر هذه المدينة حقل تجارب و توثق عمليات القتل و التعذيب للمدنيين و تقوم بنشرها، فهذه التصرفات تؤدي إلى زرع الكراهية و الانتقام في الجيل الجديد، ولا يبشر بمستقبل مشرق للعراق يعيش فيه المواطن بشكل حر و عزيز دون التعرض للتمييز و الإقصاء و التهميش كما يحصل الآن .
عندما تسيطر مكون واحد على الدولة و تسعى لتهميش المكونات الأخرى و القضاء عليها، حينها يلجأ كل مكون لحماية نفسه بنفسه من المخاطر و تتخلى عن حماية الدولة التي أصبحت تشكل خطرا على وجود هذا المكون ، وهذا ما حصل في العراق و يتكرر الآن عن طريق الممارسات اليومية التي تحصل في الموصل.
الأكراد يتوجهون للإستقلال و الانفصال بعدما قام الحكومة المركزية العراقية بإيقاف حصة الاكراد من الميزانية العراقية وهذا يعني إعطاء الضوء الأخضر للأكراد حتى يعتمدوا على أنفسهم في توفير الدعم المالي ، و الأمر الأهم أن القيادة الكردية عندما شاهدت تعامل الحكومة العراقية مع المدن السنية و كيف تم تدمير هذه المدن بشكل ممنهج، أدركت أن من الضروري الاعتماد على منظومة أمنية ذاتية لحماية إقليم كردستان العراق دون الاعتماد على الحكومة لأنها عاجزة عن حماية المدن ، و بالتالي فهذه النتائج التي نراها اليوم هي نتائج طبيعية لممارسات خاطئة للحكومات العراقية التي فقدت البوصلة و أصبحت تعمل لأجندة خارجية أكثر من اهتمامها بالمواطن العراقي في الداخل.
المواطن العراقي ينتظر التخلص من معركة الموصل و تنظيم داعش بشكل كامل في سبيل التمتع بالعيش الكريم و العودة إلى المدن و إعمارها من جديد، ولكن الميليشيات العراقية التي أصبحت تسعى للسيطرة على الحدود العراقية السورية و تهدد بالمضي قدما و الدخول في مدن دول أخرى تبدد كل هذه الأحلام الوردية للمواطن و تهدد بتحويل العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات في المستقبل بين القوى الاقليمية و الدولية و جعل العراق مركزا لدعم و مساعدة الجماعات الخارجة عن القانون في باقي الدول وبالتالي يبقى العراق في تهديد مستمر و وبالتالي من الطبيعي أن إنتهاء تنظيم داعش و معركة الموصل يفتح أبوابا لصراعات جديدة بين القوى الداخلية العراقية لأنها تنقسم إلى قوى وطنية تسعى لتحقيق أهداف المواطنين و قوى غير وطنية تهتم بمصالحها الشخصية و تفضلها على مصالح الوطن.

[email protected]

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.