آراؤهم

لماذا هذا الانزعاج من “الجزيرة”؟!

نعم.. هناك انتقادات توجه إلى قناة “الجزيرة” القطرية، في تغطيتها للأخبار والأحداث وفي تنظيمها لبرامج حوارية وفي عرضها لتقارير إخبارية وفي استضافتها لشخصيات مثيرة للجدل، وهي في العديد منها انتقادات في محلّها وتعكس موضوعيّتها، خاصة عدم حياديتها في تغطيتها لأحداث معينة تتعلق بالتطوّرات العربية من صراعات وحراكات ومواجهات وحروب جرت في المنطقة العربية أو مسّت دول في الخليج وقطر على وجه الخصوص، فهي في نظر الكثير من المراقبين والمتابعين والمحلّلين لم تتبنى تغطية تقترب من الموضوعيّة الموجودة في تغطية العديد من الشبكات الإعلامية المرموقة، وهذا عَكَس وجود نوع من “الوصاية الحكومية” على توجهاتها وميَلان متعمّد نحو دعم شعارات أممية وسياسات شعبوية وتوجّهات أصولية متشددة وحكومات ديكتاتورية على حساب حقوق وحريات شعوب وفي الضد من الشعار الأخلاقي “الحرية والنشر.. مسؤولية أخلاقية”، لذا كان واضحا دعمها في العديد من الأحيان لشعارات دينية وقومية وشعبوية عفا عليها الزمن.

لكن، في خضم كل ذلك، تُعتبر “الجزيرة” النقلة النوعية الأبرز في حرية النشر والتعبير الإعلامي في المنطقة، ولا تزال تتصدّر التغطية الإعلامية المحترفة فيها، فصوتها وصورتها رفعا من وعي المتابعين والمهتمين بالشأن السياسي والاقتصادي والإعلامي والحواري، وهي رغم مختلف السلبيات والنواقص والمصاعب تعتبر اللاعب الأبرز في النادي الإعلامي في المنطقة ورقما شبه منافس في المؤسسة الإعلامية العالمية.

وفي تصوري أنّ طلب الدول الخليجية ومصر من قطر بإغلاق “الجزيرة” كجزء من حزمة مطالب الاختلاف السياسي بين الطرفين والمكونة من 13 بندا، لا يجب أن يتحقق، وإن تحقق فسيعتبر خسارة كبيرة لحرية العمل الإعلامي ولتعددية التنافس الإعلامي ولحرية النشر والتعبير بشكل عام، ومعارضة هذا المطلب هي مسؤولية أخلاقية وحقوقية، ولابد من السعي بكل ما نملك من قدرة وطاقة وإمكانيات للوقوف ضد إغلاق القناة. فالعمل على إقصاء الصوت الإعلامي الحِرَفي المختلف والمزعج بدلا من السعي لتطوير العمل الإعلامي في الخليج من خلال فتح الآفاق للحريات الإعلامية باستقلالها ومأسستها وإبعادها عن الارتباط بالحكومات ورفض عملها تحت وصاية السياسات الحكومية ووضعها في إطار التنافس الحر، هو خطوة خاطئة وتراجع في مجال الحريات فيما بات العالم حرّا إعلاميا من خلال العولمة وعن طريق وسائل التواصل الاجتماعي وفي وقت أصبحت شعوب المنطقة أكثر حرصا على المطالبة بحقوقها المعبّرة عن كراماتها بمختلف عناوين هذه الحقوق.

وعلى أن البعض يعتقد بأن انزعاج الدول الخليجية ومصر من “الجزيرة” هو بسبب وقوفها إلى جانب بعض الحراكات العربية (وليس كلّها)، يعتقد البعض الآخر بأن القناة مارست هذا الإزعاج منذ بداية العقد الراهن، إذ تأسست في عام 1996، ثم اشتهرت عالميا بعد اعتداءات سبتمبر 2001 حين أذاعت بيانات زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن. لكن بشكل عام، فإن “الجزيرة” هي أول قناة إخبارية عربية سمحت لمعارضي الحكومات العربية والخليجية بالظهور للتعبير عن مواقفهم. وهذه الخطوة اعتبرت بمثابة انقلاب على السياسات الإعلامية التقليدية بالمنطقة، بل وعلى السياسات العامة للحكومات، مما حدا لغالبيتها إلى الاعتراض على ذلك، ولبعضها إلى السعي لإنشاء قنوات مماثلة، غير أن خطوة إنشاء “الجزيرة” وانطلاقها هي في تصوري بمثابة شرارة من الشرارات العديدة الأخرى التي ساهمت في تغيير وعي شعوب المنطقة للمطالبة بالحريات والحقوق المكبوتة.

وعندما مارست “الجزيرة” دورا إعلاميا محوريا في تغطية أحداث الربيع العربي، فإنها قامت بدور لم تمارسه أي وسيلة إعلامية عربية تلفزيونية، وهذا الأمر كان سببا في ظهور قيادات الإخوان المسلمين على شاشاتها، أي ظهور من يعتبر أحد اللاعبين الرئيسيين على مسرح أحداث الربيع، وهو ما أزعج الحكومات العربية، وبالذات الخليجية التي لم تكن قادرة على مواجهة نتائج ذلك إلا بالدعوة المتكررة إلى إغلاق القناة، وهي دعوة تصب في الضد من شعارات الربيع العربي وتتماشى والسياسات العربية التقليدية المناهضة للحريات.

وأخيرا وليس آخرا فإن “الجزيرة”، في نظر العديد من المحللين في الدوحة، هي المنبر الإعلامي المميّز الذي جعل صوت قطر مسموعا بقوة عالميا، ومن شأن ذلك، وغيره من سياسات قطرية، أن يساهم في الكشف عن أي شبح لتهديد خارجي، لذا لن ترضخ قطر لطلب إغلاق “الجزيرة” باعتبار أن القناة هي العمود الأساسي الذي تتكئ عليه القوة الناعمة للدولة.

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.