عربي وعالمي

أعداد طلاب الشرق الأوسط تسجل أعلى تراجع بعد عام من ولاية ترامب

ينظر الشاب السوري صبحي محمود برهبة إلى صورة مبنى جامعة كنساس الرسمية المهيب.

شهادة من جامعة أميركية بالتأكيد ستغير حياته رأساً على عقب وتمكنّه من عيش لمحة من “الحلم الأميركي”. لكن ما لا يعرفه صبحي أن قسطه المدرسي، لو تم قبوله، سينقذ أستاذ اللغة الإيطالية من الرفد، فجامعات أميركا التي كانت يوماً ما قِبلة (أو حلم) الطلاب، باتت تصارع لأجل إبقاء كلياتها وصفوفها على قيد الحياة.

صبحي يحاول التسجيل في كلية الهندسة للحصول على شهادة تضمن له راتباً عالياً لو بقي في أميركا أو توجه نحو دول الخليج، أو عاد إلى سوريا.

السبب بكل بساطة، تراجع عدد الطلاب الدوليين، الذين يدفعون أقساطاً مدرسية مضاعفة مقارنةً بما يدفعه الطلاب الأميركيون؛ إذ تعتمد الجامعات على هذا الرافد السنوي من السيولة )37 مليار دولار). لكن هذا الرقم تراجع في الفترة الماضية، بعد عامين من الثبات، ما دفع جامعات كثيرة إلى تقليص ميزانيتها والتضحية بمدرسين ومناهج لمواجهة هذا الأمر.

صحيفة “نيويورك تايمز” كشفت الواقع الصعب للجامعات الأميركية، وأشارت في تقرير لها إلى أن الأمر وصل إلى الحد الذي أوقفت فيه جامعة “سنترال ميسوري” مثلاً دوريتها نصف الشهرية، وحولتها إلى النشر الإلكتروني؛ توفيراً لنفقات الطباعة البالغة 35 ألف دولار. كما ألغت جامعة رايت ستيت، في أوهايو، صفوف تدريس اللغات الإيطالية والروسية واليابانية، في إطار خطتها التقشفية لتقليص ميزانيتها بنحو 30 مليون دولار، وغيرها الكثير من الأمثلة التي شهدت توقف برامج رياضية وفنية حتى إشعار آخر.

ما هي أسباب هذا التراجع؟ وهل سيدفع الجامعات إلى انتهاج سياسات جديدة لجذب الطلاب من جديد؟

سياسات ترفض الأجانب: ترامب يشيع العدوانية

سياسياً، ومنذ انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قال مديرو بعض الكليات إن أميركا أصبحت أقل جاذبية للطلاب الأجانب؛ نظراً إلى آرائه المتشددة حول الهجرة. وباتت إدارته أكثر تدقيقاً في طلبات الحصول على تأشيرات دخول البلاد، إلى جانب حظر السفر من بعض الدول المسلمة.

هذا الحظر لا يزال قائماً حتى الآن، ما يجعل فكرة السفر للدراسة بالولايات المتحدة والاستقرار فيها بعد التخرج أمراً محفوفاً بالخطر. وأمام صبحي مشكلة أن بلده من ضمن لائحة الدول المحظورة في عهد ترامب، وإنْ أشار القرار إلى عدم التعرض للطلاب.

طلاب الشرق الأوسط: الرافد المالي الأكبر

دولياً، في عام 2016، بلغ عدد الطلاب الأجانب 1.2 مليون، وهي زيادة بنحو 6.5% عن 2015. لكن هذا النمو تلقى ضربة كبيرة بعدما كشفت “الرابطة الأميركية للمسجلين بالكليات وموظفي القبول” أن 4 جامعات من كل 10 شهدت تراجع عدد طلابها.

أما الدول التي سجلت أكبر تراجع، فكانت على الترتيب: الصين والهند وكوريا الجنوبية والسعودية وكندا. أضف إليها فيتنام واليابان وتايوان والبرازيل والمكسيك، وفق أرقام إدارة الهجرة والجمارك الأميركية ICE.

وكانت أعلى نسبة تراجع من الشرق الأوسط )39(%، كما شهدت طلبات الدراسات العليا تراجعاً بنسبة 31%.

وبحسب أرقام معهد التعليم الدولي الأميركي، ففي 500 كلية جامعية انخفض عدد الطلاب الأجانب الجدد بنسبة 7% في المتوسط خلال الخريف الماضي. وسجلت نصف الجامعات التي شاركت في الدراسة تقريباً، انخفاضاً في عدد الطلاب الأجانب.

والجدير ذكره أن ترتيب عدد الطلاب القادمين من الشرق الأوسط للعام الدراسي 2017/2016، كان على الشكل التالي:

1- السعودية: 52.611 طالباً.
2- إيران: 12.643 طالباً.
3- تركيا: 10.586 طالباً.
4- الكويت: 9.825 طالباً.

لم يعثر صبحي على رقم محدد لطلاب بلده في أميركا، وإن كانت العديد من الجامعات قررت تخصيص منح دراسية للطلاب السوريين، وفق ما يوضحه موقع السفارة الأميركية لدى سوريا، وتعمل عليه منظمات مدنية أخرى.

وطلاب أميركا: تراجع معدلات زيادة السكان

ومحلياً، أثّرت ظاهرة انخفاض عدد الطلبة الأميركيين أنفسهم؛ بسبب انخفاض معدلات المواليد منذ 20 عاماً، ما أثر بشكل ملحوظ على أعداد الطلبة الأميركيين في السنوات الأخيرة؛ إذ انخفض عددهم هذا العام بنحو 224 ألف طالب أو بنسبة 1%، وفقاً لمركز الأبحاث في مركز التبادل الطلابي الوطني الأميركي.

وإذا أضفنا عامل التكلفة الاقتصادية المرتفعة، التي لا يمكن لطلاب الطبقة الوسطى أو الدنيا تحملها، فإن الأعداد مرشحة للتناقص في المستقبل، كما صرح دوغ شابيرو، مدير الأبحاث التنفيذي بالمركز، لصحيفة “نيويورك تايمز”. وقال شابيرو: “تُعد مشاكل عدم القدرة على تحمُّل التكاليف هي العقبة الأكبر. ليس هناك الكثير مِمَّا يمكنك فعله في القبول، إذا كانت الأُسر تعجز عن تحمُّل الرسوم الدراسية”.

عام 2018 أسوأ: منح دراسية أقل ومنافسة جاءت متأخرة

بدورها، أشارت دورية “University World News”، الصادرة عن تجمع معاهد الدراسات العليا، إلى أن عام 2018 سيكون أسوأ من 2017. أما الأسباب من وجهة نظرها، فهي قرارات ترامب بالدرجة الأولى، يليها إلغاء البرازيل والسعودية العديد من برامج المنح الدولية.

ولفتت إلى أن غياب “الشعور بالترحيب” أجبر العديد من الدول، وتحديداً المسلمة، على تجنب إرسال أولادها إلى الجامعات الأميركية.

ولوحظ مؤخراً انتشار تقارير على صحف أميركية تشير فيها إلى أسماء الجامعات التي فتحت برامج منح لدعم الطلاب الدوليين مالياً، من أجل استقطابهم من جديد بعدما اشتعلت المنافسة على الساحة الدولية لتلقف الجيل الجديد من طلاب الجامعة.

كندا وأستراليا: بدائل أكاديمية قوية

وفي هذا السياق، يمكن ملاحظة الإغراءات المتزايدة للجامعات الكندية والأسترالية.

فالجامعات الكندية على سبيل المثال، تقدم تعليماً راقياً بتكلفة أقل، كما أنها لا تفرض على الطلبة الراغبين في الدراسة اختبارات قبول صعبة كما تفعل بعض الجامعات الأميركية. فيما تغري أستراليا الطلبة الأجانب بالعمل فيها بعد التخرج، وقد صارت جامعاتها ثالث وجهة عالمية للدراسة الجامعية بعد بريطانيا وأميركا.

أميركا تراجع نفسها: الطالب الأجنبي ثروة للمجتمع

ومثل صبحي، تبدأ مخاوف الطلبة من النجاح في الحصول على تأشيرة الدخول وموافقة ضباط الحدود على دخولهم وخروجهم في كل مرة تطأ فيها أقدامهم أرض المطار. ثانياً، الجو العام والشعور بالرفض من قبل بعض فئات الشعب الأميركي؛ ومن ثم فالخوف من اضطهاد بعض أساتذة الجامعات. فضلاً عن مخاوف سلامته الشخصية بعدما تم تسجيل جرائم كراهية ضد عدة طلاب دوليين. وأخيراً، القدرة المالية على تحمل نفقات الحياة في أميركا.

وفي محاولة لطمانة هذه المخاوف، قالت المديرة التنفيذية للرابطة الوطنية لمستشاري الطلاب الأجانب NAFSA، أستير بريمر: “مرة أخرى، تظهر البيانات أن الطلاب الدوليين هم أصول ليس فقط للجامعات، ولكن لمجتمعنا”.

وأضافت في تصريحات لصحيفة “The Pie News”: “نظراً إلى جميع الفوائد التي يجلبها الطلاب الدوليون، نواجه الآن منافسة عالمية متزايدة على هذه الموهبة. ومن مصلحتنا أن نعزز السياسات التي تعكس المثل العليا لبلدنا، وعلينا أن نواصل بناء الجسور لا الجدران ونغرس في كل طالب دولي محتمل أننا نرحب به ونقدره هنا”.

يواصل صبحي من غرفة بيته الدمشقي تصفح أسماء الجامعات ورحلة تقديم الطلبات، فيما يترقب من كثب، قرارات ساكن البيت الأبيض، والتي قد تغير حياته إلى الأبد.