قامت القيادة الميدانية للطليعة المقاتلة باتباع استراتيجية المواجهة الحامية مع السلطة، استراتيجية لم يسبق أن حدثت في تاريخ سورية، وهي استراتيجية التفجيرات وحرب السيارات المفخخة التي استهدفت بعض المباني الحكومية والعسكرية المهمة مثل: (رئاسة مجلس الوزراء) بدمشق في آب عام 1981م، و(آمرية القوى الجوية) بدمشق في تشرين الأول عام 1981م، وكانت العملية الأكثر دموية ورعباً هي الانفجار الذي سببته سيارة مفخخة أسفل قيادة المخابرات الجوية العسكرية في الأزبكية بدمشق في كانون الأول عام 1981م، التي هزت دمشق هزاً عنيفاً، حتى ظن الناس أن زلزالاً قوياً ضرب المدينة. وقد رفضت جماعة الإخوان المسلمين هذه الأعمال واستنكرتها وأعلنت براءتها منها، ونفت أي علاقة للإخوان المسلمين بهذه التفجيرات المجنونة.
تفجير مبنى رئاسة مجلس الوزراء بدمشق
في شهر آب وبتاريخ 25/8/1981 قامت الطليعة المقاتلة بتحريك سيارة مفخّخة باتجاه مبنى رئاسة مجلس الوزراء الكائن في ساحة السبع بحرات، حيث كان من المفترض أن يكون هناك اجتماع مشترك للحكومة بكامل أعضائها من الوزراء واللجنة المركزية لحزب البعث، وكان من المتوقع أن يكون حافظ أسد وأخيه رفعت على رأس المجتمعين، ولقدرٍ يريده الله تم إلغاء الاجتماع بأقل من ساعة في الوقت الذي تمكن فيه عناصر الطليعة من إدخال السيارة إلى مبنى رئاسة مجلس الوزراء وانفجرت في الوقت المحدد لها بعد بدء الاجتماع بحوالي نصف ساعة وأوقعت خسائرَ وأضراراً بالغةً في المبنى وتمكن المنفذين من الانسحاب بسلام.
وكانت هذه العملية من الأهمية بمكان حيث كانت ثاني عملية من نوعها في سورية يتمكن فيه عناصر الطليعة المقاتلة من اختراق الأماكن الحساسة للنظام بعد عملية القصر الجمهوري، وأول عملية تفجير على هذا المستوى تقوم بها الطليعة المقاتلة.
تفجير مبنى قيادة القوى الجوية بدمشق
في شهر أيلول 9/1981 تحركت سيارةٌ مفخّخة باتجاه مقر قيادة القوى الجوية الكائن في منطقة المالكي بدمشق، وهو كذلك مقر قيادة المخابرات الجوية برئاسة العميد محمد الخولي والمكلفة بحماية تحركات حافظ أسد، وتمكّنَ المهاجم من اختراق البوابة الرئيسية لمبنى القيادة والدخول بسيارته المفخخة إلى تحت المبنى تماماً، وحين تجمّعَ الحرس والضباط عند السيارة ليروا ما الخبر انفجرت السيارة ذلك الانفجار الهائل الذي هزّ مبنى القيادة، وأوقعت العملية الجريئة خسائر فادحة في صفوف الضباط الذين يتحمّلون قسطاً كبيراً من مسؤولية المجازر والجرائم والخيانات التي يتعرض لها الشعب، وكانت الصدمة كبيرة للنظام فقد كانت هذه العملية أول اختراق للطليعة المقاتلة لمراكز النظام الطائفي العسكرية وقواعده الأمنية الرئيسية، وقد أوقعت العملية ما يزيد عن مائة وخمسين إصابة بين قتيل وجريح كانت إصابات معظمهم خطيرة.
تفجير مبنى لإقامة الخبراء الروس
في شهر تشرين أول/1981 وفي إطار معركتها الطويلة مع النظام وأعوانه وجّهت الطليعة المقاتلة ضربة جديدة للخبراء الروس العاملين في سورية يُضافُ لسلسلة الضربات الموجعة التي وجَهتها من قبل، وتعملُ نسبة كبيرة من هؤلاء الخبراء كمستشارين أمنيين للنظام الطائفي ومسؤولين مسؤولية مباشرة عن خطط المواجهة وتطويرها بشكل دموي عنيف مع جماعة الإخوان المسلمين ومؤيديها من أبناء الشعب المسلم في سورية، وقد كان الخبراء الروس قد تلقوا في السابق ضربات موجعة بشكل جماعي وفردي على امتداد سورية كلها، فقد تلقوا ضربات قويّة ومؤثرة في حلب وحماة وحمص ودمشق حيث تم توجيه ضربات أقوى فيها، وقد انفجرت السيارة المفخخة في وسط مجمع سكني يخص الخبراء والمستشارين الروس وأوقعت إصابات كبيرة في صفوفهم مع إلحاق التدمير البالغ بأبنية المجمع .
عملية حيّ الأزبكية بدمشق
بتاريخ 29/10/1981 وقع انفجار ضخم في شارع بغداد في حيّ الأزبكية وهو أحد شوارع دمشق المزدحمة بالسُكّان، وقد نجم الانفجار عن سيّارة مفخخة قالت الأنباء أن مدبر العملية لم يتمكن من إيقاف السيارة أمام المبنى المقصود وطارده حرس المبنى فهرب بها وتركها بعد المبنى وانفجرت، وكان الانفجار يستهدف في الظاهر مجمّع الأمن في مبنى شعبة التجنيد في المنطقة وهو مبنى مؤلف من ثلاث طوابق، غير أن موقع السيارة المفخخة والذي كان بعيداً عن المجمع بحوالي مائة وخمسين متراً يشيرُ إلى أن للمنفذين أهدافاً أخرى غير مجمع الأمن هذا، وجاءت أضرار الانفجار كبيرة جداً نتيجة عبوة من المتفجرات قُدِّرت بأكثر من خمسمائة كيلو غرام تسببت بحفرة عمقها في الأرض أكثر من أربعة أمتار وقطرها بحوالي خمسة أمتار، كما وشملت الأضرار البالغة من تدمير وتهديمِ أجزاءَ أعدادٍ كبيرةٍ من البنايات على طرفي الشارع، ووصلت آثار الانفجار إلى الشوارع الخلفية من الجانبين والتي تطاير زجاج نوافذها، ولم تقتصرُ الخسائر على الأضرار المادية بل تسببت العملية في قتل وجرح المئات من المواطنين الأبرياء مع عدد بسيط جداً من جنود السلطة حيث كان الانفجار بعيداً أصلاً عن مجمعهم كما ذكرنا .
وللأمانة التاريخية فقد راجعت واستفسرت عمّا إذا كان للإخوان المسلمين بشقيهم الطليعة المقاتلة والتنظيم العام أي صلةٍ بهذه العملية فلم أتمكن من وضع يدي على أي شيء توثيقي يشير إلى قيامهم بهذه العملية ومسؤوليتهم عنها، في حين تضاربت الأنباء في حينها أن وراء هذه العملية جهات أجنبية خارجية ومن غير المستبعد أن تكون الكتائب اللبنانية “وأنا لست متأكداً من هذا الطرح”، إلا أنني وصلتُ لأخبارٍ فيما بعد أن رفعت الأسد هو من قام بتنفيذ هذه العملية عن طريق تجنيد بعض الأشخاص للقيام بهذه المهمة القذرة التي كانت في الدرجة الأولى موجهةً ضد المواطنين الأبرياء وجعلهم مادة دعائية وإعلامية له وكغطاء لما سيُقدِم عليه ضد جماعة الإخوان المسلمين، حيث أراد رفعت أن تكون هذه العملية بمثابة القطرة التي ستأتي بالطوفان .
وقد جاء بالخبر ما يلي: (أن منفذ العملية وآخرون معه رتبوا لهذه العملية وبعد التنفيذ اختفى الرجال عن الوجود لأكثر من أحد عشرَ عاماً، حيث أمضوا كل الفترة السابقة في سجن تدمر وهم يرفضون الإفصاح عن سبب سجنهم الحقيقي طوال هذه الفترة).
هذا الخبر وجدته مقبولاً عندي بعد مقارنته بممارسات سابقة للسلطة حصلت في عام 1972، عندما أرسل حافظ الأسد عن طريق ناجي جميل يوم أن كان مسؤولاً عن المخابرات العامة ومن فرع حمص الذي كان مسؤولاً عنه نزيه زرير، حيث أرسلوا مجموعة من عناصر أمن الدولة من فرع حمص لاغتيال اللواء محمد عمران شريك حافظ الأسد السابق في اللجنة العسكرية وانقلاب عام 1963 في طرابلس في لبنان، وبعد تنفيذ العملية تم اعتقال منفذي العملية ومحاكمتهم صورياً وإيداعهم سجن المزّة العسكري بدمشق بعد أن تخلت عنهم السلطات التي أرسلتهم وأنكرت صلتها بما أقدموا عليه.
يتبع
أضف تعليق