محمد فاروق الامام
كتاب سبر

آذار وبحار الدم الحلقة (48)
وضع العمل العسكري للطليعة في المحافظات مع نهاية 1981

كان الخط البياني للثورة خلال السنوات القليلة الماضية في تصاعد مستمر حتى عام1980، فقد استقطبت الطليعة المقاتلة جماهير عريضة من الشعب، وكان تلاحم الشعب ووقوفه بكل فئاته وشرائحه السياسية في وجه النظام القمعي الطائفيّ واضحاً بتحرك النقابات المهنية وإضرابها الشهير في30/3/1980.
إلا أن الإجراءات القمعية والتعسفية التي مارستها السلطة بحق الشعب ومن ورائه حركة الإخوان المسلمين هو إعلان حرب إبادة وتصفية لخصومها، فقد أصدر حافظ الأسد المرسوم 49 بتاريخ 7/7/1980 والقاضي بإعدام كل من ينتسب للإخوان المسلمين وبأثر رجعي، كما وقامت السلطة أيضاً بحصار وتفتيش مدينتي حلب وحماة عشرات المرّات على وجه الخصوص وللمدن والقرى السورية الأخرى على وجه العموم (في عام 1980 اقتحم فجر أحد الأيام اللواء 21 التابع للفرقة الثالثة التي احتلت حلب بلدة عندان الواقعة شمالي مدينة حلب وكان عدد الآليات بين دبابة ومدرعة وناقلة جند تزيد على 120 آلية، تحمل أكثر من ثلاثة آلاف جندي وضابط عاثوا في المدينة فساداً ورعباً واعتقلوا العشرات ومارسوا بحقهم أقسى أنواع التعذيب والإهانة أمام أهليهم وذويهم، وحملوهم عند مغادرتهم للبلدة إلى مدينة حلب وأودعوهم سجن ثكنة هنانوا وساموهم هناك ألوان وألوان من التعذيب الذي خلف على ظهورهم وجنوبهم وأقدامهم الندبات والآثار العميقة للسع السياط، وكان أكثر من مورس بحقه هذا العذاب النخبة المثقفة من حملة الشهادات العالية)، وواجهت بالقمع والقتل والسحق والانتقام من الأبرياء كل أشكال المعارضة للضغط على المقاتلين عن طريق إيذاء أهاليهم وذويهم، ولم تأخذهم رأفة ولا شفقة بطفل ولا فتاة ولا امرأةٍ ولا شيخ ولا أم ولا أب ولا أخ ولا أخت، أصبح المهم عندهم هو ممارسة فنون التعذيب والإذلال على هؤلاء العزّل بعد أن عجزوا عن مواجهة المقاتلين.
وبدأ العد التنازلي لمكانة المقاتلين التي اكتسبوها من أعمالهم البطولية في مواجهة السلطة بسبب تراجعهم أمام ما يحصل للأهالي من ظلم وقمع وتعسف على يد السلطة الباغية، وذهبت كثير من الإمكانات أدراج الرياح، وانقلبت الأحوال وتبدلت الظروف والمعطيات.
تنظيم الطليعة في دمشق
كان تنظيم الطليعة قوياً جداً في بدايات تأسيسه في عهد الشيخ مروان حديد ومن بعده الدكتور عبد الستّار الزعيم، وقد تعرّض التنظيم لنكسة حقيقية باعتقال مجموعة من أنشط أعضائه وعلى رأسهم يوسف عبيد، وبعدما آلت قيادة التنظيم لأيمن شربجي تمكنت الطليعة في دمشق من تنفيذ عدة عمليات نوعيّة ضد السلطة كانت قمتها في عام 1981 عندما تم تنفيذ عمليات تفجير مبنى رئاسة مجلس الوزراء وقيادة القوى الجوية ومقر الخبراء الروس، إلا أن الوضع الأمني للطليعة تدهور نسبياً إذا ما تمت مقارنته في السابق، حيث وبالرغم مما حصل لعناصر الطليعة من مداهمات واعتقالات إلا أنهم بقوا يحتفظون بهامش من السريّة والقدرة على الحركة.
الطليعة في حلب
في الواقع حلب لم يكن بها أي نوع من أعمال المواجهة العسكرية مع السلطة نهائياً في ذلك الوقت، بل يمكن القول أنه كانت توجد بعض الإمكانات المبعثرة وبعض الشباب المتقطع الأوصال، ومن المعلوم أن تنظيم الطليعة المقاتلة في حلب والذي كان بقيادة عدنان عقلة قد سلك أسلوب التصعيد مباشرة بعد أحداث عملية مدرسة المدفعية، ولم يكن هذا التصعيد متناسقاً ومتناغماً مع المحافظات الأخرى ومع خطط الطليعة ككل للوصول إلى ساعة الحسم العسكري مع النظام، وقد تسبب هذا التصعيد في انفتاح المقاتلين على بعضهم وتشابك المجموعات تنظيمياً وحركياً وفقدان عامل الأمان الأساسي المتمثل باستقلالية كل مجموعة عن الأخرى، مما زاد من مخاطر كشف المقاتلين بعد انكشافهم على بعضهم البعض بواسطة القيام بعمليات عسكرية مشتركة تستلزم أعداداً كبيرة من المقاتلين أو بسبب تنقلاتهم بين القواعد بسبب انكشاف بعض القواعد واضطرار البعض للذهاب من واحدة إلى أخرى، وأسبابٍ كثيرة أخرى ساعدت على تهاوى العمل العسكري بحلب وكشف عناصره وقواعده بهذه الوتيرة المخيفة، حيث قدرت مصادر الطليعة المقاتلة عدد القتلى في حلب خلال الفترة من عام 1979 بعد أحداث مدرسة المدفعية وحتى أواخر عام 1980 بما يقارب من أكثر من 600 عنصر واعتقال المئات وتشريد الآلاف داخل سورية وخارجها، وكشف العشرات من قواعدها، بينما تقول نفس المصادر بأنّ عدد القتلى من مقاتلي الطليعة في حلب خلال الفترة السابقة فيما بين انطلاق العمل العسكري وحتى مدرسة المدفعية بحوالي 60 مقاتل.
وبعد انهيار تنظيم الطليعة في حلب في أواخر عام1980 حاول بعض القادة من تنظيم الطليعة المقاتلة في حماة وغالبيتهم كانوا من طلاب جامعة حلب القيام بشيء ما في حلب لتخفيف الضغط عن حماة، إلا أن هذه الجهود كانت بسيطة وغير كافية والاتصالات بمن تبقّى من الحمويين في حلب من شباب التنظيم الذين تقطعت بهم السُبُل بعد أن انكشف أمرهم للسلطة لم تكن في معظم الأحوال سهلة ومأمونة، كما وكانت تنقص الحمويين الخبرة الميدانية في المدينة وكذلك الإمكانات الأخرى المتعددة، وبالرغم من ذلك كله قام هؤلاء بفعل شيء ما، إلا أنهم شكّلوا فيما بعد عبئاً جديداً على القيادة في حماة بعد انكشاف تنظيمهم في حلب، وسعت القيادة سعياً حثيثاً لتأمين طريقة لإيوائهم في حلب أو توصيلهم إلى حماة على أسوأ تقدير، وبالرغم من أن الأوضاع في حماة كانت سيئة للغاية في مطلع شهر كانون ثاني 1982 إلا أنها كانت أفضل من حلب، وبالتالي كان يمكن تدبير الأخوة في حماة بطريقةٍ أو بأخرى.
يتبع

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.