أمّا في حماة نفسها فكان تنظيم الطليعة بكامله قيادة وعناصر يعانون معاناةٍ شديدة من ضغط السلطة الأمني على المدينة، فمسلسل الاشتباكات اليومية في شوارع المدينة، وانكشاف العديد من القواعد، واعتقال المئات من المقاتلين وذويهم لم ينقطع طوال كل الفترة الماضية، وحسب تقديرات القيادة بلغ عدد الشهداء من الطليعيين أكثر من مئة مقاتل وعدد المعتقلين تجاوز بضع مئات منهم، وأصبح تأزم الوضع وتعقيداته هاجساً يومياً للقيادة التي لم تعد ترى أيَّ فائدة من الانتظار، لأنه في الواقع كان الانتظار عملية موت بطيء وإفناءٌ لإمكانيات الطليعة في حماة وفي سورية ككل .
يقول أحدهم: (كان الأسى والحزن يعصف بنا ونحن نرى الأخوة يُستشهدون تباعاً، والقواعد تُدمر واحدة بعد أخرى، وأصبحنا لا نأمنُ على أنفسنا حتى من بزوغ شمس النهار أو حتى حلول ظلام الليل، وأصبح الأخوة في حالة دفاع عن النفس وبلا أي تحرك مدروسٍ، وهم في انتظار التعليمات الجديدة من القيادة والمتوقعة في أية لحظة. ولم يكن أحدٌ يعلم لماذا هذا التأخير وما هي أسبابه؟ أو حتى إن كان هناك مَنْ يريد أن يُعطِّل اتخاذ مثل هذا القرار ” قرار المواجهة الشاملة مع النظام الطائفي”)؟
بدأت الطليعة تشعر أكثر من أي وقت مضى بأن السلطة قد أعطت الصلاحيات المطلقة للجيش وسرايا الدفاع والوحدات الخاصة وللأجهزة الأمنية المختلفة وحتى للعملاء والجواسيس بتدمير المدينة وإبادة شعبها، وحتّمت عليهم الحالة والظروف هذه أن يتفقد كلٌّ منهم من يعرف من رفاقه يومياً، بل صاروا يتفقدون بعضهم صباحاً ومساءً خوفاً من أن يُعتقل أحدهم فيقعوا في مصيدة الأمن، خصوصاً بعدما حصل قدرٌ من الانفتاح أكثر من اللازم بين عناصر الطليعة بسبب التطورات السريعة والأوضاع المتأزمة التي كانت تعصِفُ بهم فلم يعد يتوقع أحد من أين سيأتيهم الخرق فقد أصبح كل شيء ممكناً ومتوقعاً.
وقد تبين لهم فيما بعد أنه كان هناك تضارباً في التوجهات لم يعرفوا أسبابها لدى قيادة الطليعة في الخارج حول تبني قرار إعلان الثورة في سورية رغم ما بين أيديهم من معطيات وأسباب قوية تجعلهم يتخذون قرار المواجهة بأسرع ما يمكن.
كانت الأمور في حماة ليست هادئة، بل على العكس كانت الأمور في حماة تغلي مثل المرجل والمواجهات على أشدها بين الطليعة والسلطة، إلا أن الفارق الوحيد بين الماضي والحاضر هو أنه في الماضي أي قبل سنة أو سنتين أو أكثر كان عناصر الطليعة هم الذين يحددون ضربتهم وأين وكيف ومتى، أما في النصف الثاني من عام 1981 أصبحوا في موقع الدفاع عن النفس في أغلب الأحوال تجاه ما يحدث.
يتبع
أضف تعليق