البلدان الغنية تميل إلى إنتاج ابتكارات علمية وثقافية وتكنولوجية أكثر مما تنتجه البلدان الفقيرة. وغالبا ما تنشأ الثروة في البلدان ذات المؤسسات المستقرة وسيادة القانون الثابتة. ويمكن استخدامها لتمويل الأبحاث والتطوير, ولبناء رأس المال البشري من خلال التعليم العام والرعاية الصحية. غير أن تصنيفاً جديداً للابتكار في 126 بلداً يبرز استثناءً صارخاً من هذا الاتجاه: الدول العربية الغنية بالنفط أقل إبداعاً بكثير مما يوحي به ازدهارها.
وتتمتع بلدان مثل الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة بالعديد من المزايا التي تؤدي عموما إلى الابتكار. وهذه البلدان الثلاثة غنية – ويرجع الفضل في ذلك في المقام الأول إلى مواردها من النفط والغاز – وتتمتع بمستويات من الناتج المحلي الإجمالي لكل شخص أعلى من مستويات الولايات المتحدة الأمريكية. كما قامت باستثمارات كبيرة في البنية الأساسية المحلية، وتيسير تبادل السلع والأفكار داخل حدودها. ومع ذلك، فإنها تتراوح في المراكز ما بين 38 و60 في “مؤشر الابتكار العالمي” لهذا العام، وهي دراسة سنوية نشرتها جامعة كورنيل، وكلية إنسياد للتجارة، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية.
والمؤشر مبني على مجموعة متنوعة من الإحصاءات الاقتصادية والعوامل المجتمعية، مثل الإنفاق الحكومي على التعليم، والوصول إلى تكنولوجيا الاتصالات، والاستقرار السياسي، وسهولة بدء الأعمال التجارية، وتوليد براءات الاختراع، من بين أمور أخرى. وتتخلف البلدان العربية الثلاثة كثيرا عن البلدان الغنية نسبيا في مقاييس قوة المؤسسات الحكومية، ورأس المال البشري، وتطور الأعمال التجارية، والناتج التكنولوجي الحديث.
وتظهر الاقتصادات العربية الأفقر نمطا مماثلا من الأداء المتدني. وإذا استخدمنا الناتج المحلي الإجمالي لكل بلد وحده للتنبؤ بنتائجهم على أربعة مؤشرات فرعية تشكل جزءا من مؤشر الابتكار الأكبر، فإن الاختلافات عن القيم المتوقعة مذهلة في جميع أنحاء المنطقة. ويسجل متوسط الدولة العربية انخفاضاً بنسبة 25% تقريباً عما كان متوقعاً في فئة “المؤسسات” (الحكومة والأعمال التجارية أساساً)، وانخفاضاً بنسبة 22% للاستثمار في رأس المال البشري، وانخفاضاً بنسبة 36% لمخرجات المعرفة والتكنولوجيا، وانخفاضاً بنسبة 38% لتطور الأعمال.
وقد تتمتع دول البترول العربية بمستويات استهلاك غربية ولكنها تفتقر إلى مستويات إنتاجية غربية. وظهورهم الضعيف في المؤشر هو أحد الدلائل على الجبل الذي يتعين عليهم تسلقه للعثور على مصادر غير نفطية للنمو. وفي إطار نظام “الإيجار”، تستخرج الأسر الحاكمة إيجارات من صادرات النفط والغاز، وتوزع الإيرادات في شكل وظائف حكومية سهلة (معظمها للرجال) ومزايا سخية، ليس أقلها الوقود والكهرباء والمياه المدعومة. ويدرك بعض الحكام أنه بالنظر إلى ارتفاع معدلات النمو السكاني، فإن نموذجهم غير مستدام. وتشكل الإصلاحات الاجتماعية في المملكة العربية السعودية – بما في ذلك القرار الذي اتخذ في وقت سابق من هذا الشهر بالسماح للنساء بقيادة السيارات – جزءا من محاولة لتحديث الاقتصاد. لكن “فطام” دول الخليج من النفط سيكون صعباً.
أضف تعليق