تأتي الذكرى السنوية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر هذا العام في وقت تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط تطورات وتفاعلات حادثة في أكثر من بقعة جغرافية تكشف تورط النظام الإيراني في دعم التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتطرفة في أكثر من بلد عربي وغير عربي. ومع انكشاف سمات وملامح الدور الإيراني في توظيف الإرهاب الدولي لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الإيرانية وإرغام المجتمع الدولي على الدخول في حوار مع نظام سياسي راديكالي لا يحترم سيادة الدول الأخرى، يمكن الربط بين ترتيبات أعمال تفجير برج التجارة العالمي في نيويورك وبين أدوات وتطلعات السياسة الإيرانية في ذلك الوقت.
شرعت السياسة الإيرانية في توظيف الجماعات الفاعلة من غير الدول منذ وصول التيار المتطرف إلى السلطة بعد خلع الشاه الإيراني في العام 1979، حيث ترى طهران أن تلك الجماعات والتي دائما هي في صراع مع السلطات الحاكمة في بلادها فرصة يجب اغتنامها لزيادة نفوذها داخل البلدان المختلفة وفي النظام الدولي والأنظمة الإقليمية المختلفة، وقد طورت الحكومة الإيرانية علاقات مع تنظيم القاعدة في أفغانستان قبل مطلع القرن الحادي والعشرين كي يكون ورقة يمكن مقايضتها مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية ترويجا بأن طهران لديها نفوذ على ذلك التنظيم وبالتالي فإن الدول الأوروبية يمكن أن تتفاوض مع النظام الإيراني مقابل ضمان أمنها.
قامت السلطات الإيرانية بتأمين حركة المقاتلين في القاعدة من أفغانستان إلى داخل وخارج إيران، وقامت بتأمين لهم حرية الحركة إلى بلدان الشرق الأوسط كي يستطيعوا تنفيذ عملياتهم الإرهابية ضد أهداف الدول الغربية في المنطقة ولزعزعة أمن واستقرار البلدان العربية في تلك المرحلة، فقد شهدت منطقة الشرق الأوسط انطلاق موجات الإرهاب الدامي في أعقاب انتهاء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي سابقا، فقد اعتقد النظام الإيراني أن الساحة الإقليمية باتت مهيئة لها كي تكون القوة الإقليمية المهيمنة على سياسات المنطقة وبالتالي قامت بتوظيف الجماعات الإرهابية في هذا الغرض. فقد ظهر الدعم الإيراني للجماعات الإرهابية التي استهدفت أبراج الخُبر في المملكة العام 1996 وسفارتي الولايات المتحدة في العاصمة نيروبي بكينيا والعاصمة دار السلام في تنزانيا بالإضافة إلى استهداف المدمرة الأميركية يو إس إس كول على السواحل اليمنية بقارب سريع.
وقد لعب الدعم الإيراني للتنظيمات الإرهابية دورا في تشجيعها على تطوير أنشطتها وتوجيه ضربات إلى داخل العواصم الغربية، فقد تم تنظيم عملية استهداف برجي التجارة العالمي ومقر البنتاغون في العام 2001 ومن ثم توالت التفجيرات في العواصم الغربية مثل تفجيرات لندن ومدريد وإسطنبول. فقد تشجعت تلك التنظيمات في ذلك بفعل الدعم اللوجيستي والمادي والعسكري الذي قدمته قوات الحرس الثوري الإيراني سواء عبر إيواء أسر الأفراد المقاتلين داخل تلك التنظيمات أو عبر المعسكرات التي أقامها الحرس الثوري لتنظيم القاعدة في البلدان ذات الدول الضعيفة أو الدول الفاشلة أو عبر توفير الأسلحة والأموال اللازمة من طرق التهريب الدولي والسوق السوداء وسبل غسيل الأموال التي بات للحرس الثوري باع طويل فيها منذ استحواذه على مقاليد السلطة في طهران.
كما لم يتخلَ النظام الإيراني عن أداة الإرهاب الدولي حتى مع تدخل الولايات المتحدة في العراق العام 2003 وقامت بتوجيه الدعم إلى مختلف الجماعات المسلحة سواء كانت سنية أو شيعية لاستهداف القوات الأميركية المتواجدة في العراق عبر الحدود العراقية – السورية وبتواطؤ من نظام البعث السوري الذي وفر الدعم منذ البداية إلى حزب الله في لبنان والذي قام بأعمال إرهابية هو الآخر في بلدان أميركا اللاتينية.
ومن خلال متابعة سياق الدعم الإيراني الطويل لتنظيمات الإرهاب الدولي التي أثرت بالسلب على مساعي التنمية الاقتصادية والشاملة في بلدان منطقة الشرق الأوسط وساهمت في خلق صورة سلبية عن المنطقة وعن الدين الإسلامي، من الصعب إسقاط تهمة المساهمة في نشأة تنظيم داعش عن النظام الإيراني الذي مهد الأوضاع لظهور وتنامي التنظيم الأم لداعش وهو تنظيم القاعدة، كما يمكن الجزم بأن أي تنظيمات جديدة قد يفرغها تنظيم داعش بعد هزيمته سوف تلقى الدعم من نظام سياسي لا يحترم سيادة الدول المجاورة ولا يعترف بقواعد اتفاقية فيينا التي وضعت أسس السيادة للدول القومية في ظل رغبته الجامحة للسيطرة على بلدان منطقة الشرق الأوسط حتى وإن تم إحراقها جميعا.
أضف تعليق