المتتبع للمواضيع المطروحة في وسائل التواصل الإجتماعي و ما تحمله من رسائل موجهة للتأثير على الرأي العام بصورة تقلب الوعي و تشوه القيّم، لن يفوته الخطاب الذي يجعل الإنتماء العربي حكراً لسكان الجزيرة العربية دون غيرهم من باقي الأقاليم العربية، ذاك الخطاب الذي ينزع صفة العروبة من ساكنة العراق و الشام و مصر و السودان و المغرب الكبير و يصفهم بأهل الأمصار بدافع عنصري متكبّر مقرون بجهل مركب، ليزيد بذلك أسباب الفرقة و التشرذم بين العرب.
هذا الخطاب يأتي متسقاً مع النهج الإقصائي الذي ابتلينا فيه منذ رمضان 2017، ذلك النهج الذي يجرّم التاريخ العثماني و يسلخه من تراثنا، و يحث الخطى لشيطنة الصحوة الدينية و التبرؤ منها، و يزدري الفتوحات الإسلامية و يصنّف الإخوان المسلمين (أكبر تيار سياسي بالعالم الإسلامي) كإرهابيين، و يلطّف الأجواء مع الصهاينة، و يطعن بالسنة النبوية.
إلا أن الخطاب الذي يعنينا بهذا المقال و الذي يختزل العروبة بأهل الجزيرة العربية دون سواهم لم ينل حظه من الرد و الدحض كماً و نوعاً، من قبل الكتاب و المغردين المؤثرين.
و أني أزعم بخطأ من يظن أن الإنتماء العربي مبني على نسب تحويه الأصلاب و تحمله الأرحام فتنقله الأجيال، و لا أدل على ذلك من قصة النبي إبراهيم عليه السلام، الذي لم يكن عربي اللسان و لا المنشأ لكن قطعاً و بأدلة من نصوص الشريعة و إجماع كل النسابة هو أب لشطر العرب، و هم العرب العدنانيون الذين منهم قريش أشرف أحياء العرب، قبيلة الرسول عليه الصلاة و السلام و الخلفاء الأمويون و العباسيون. على أنه و في تلك الحقبة التي أسكن فيها ابراهيم ابنه الرضيع اسماعيل مع أمه هاجر بمكة، كان هناك عرباً صرحاء يجاورونهم و هم قبيلة جرهم اليمنية، و الذين يرون إبراهيم جد الرسول عليه الصلاة و السلام أعجمي لا ينتمي للعرب.
و انطلاقاً من هذا القياس و كما تعرّب اسماعيل و بنوه من نسل عدنان بفعل المصاهرة و المخالطة مع جرهم التي اكتسبوا اللغة منها، فإن أهل الأمصار المفتوحة و رغم جذو بعضهم التي تتصل بالآشوريين و الفينيقين و الأقباط و البربر قد عرّبهم الإسلام، بعدما خالطوا العرب الفاتحين و لهجت ألسنتهم بالعربية و هي الوعاء الحافظ للقرآن و شرائع الإسلام.
فضلاً عن هذا القياس الذي نراه سبب وجيه و أساسي في أحقية عرب الأقاليم بالإنتماء العربي أسوة بعرب الجزيرة و بالأخص العدنانيين منهم، فإننا لا نستطيع تجاهل دور الهجرات العربية الكثيفة خارج الجزيرة إبان فترات الفتوحات و ما تلاها و التي نراها سبب ثانوي يبرر الإنتماء العربي لسكان الأقاليم. و لا يسعنا المجال أن نسترسل في أسماء القبائل العربية المهاجرة و اعدادهم والذين نكاد نجزم بأن من هاجر منهم أكثر مِن مَن استقر بالجزيرة، لكن لا بأس من بعض الإستشهادات و منها أن الأسر المالكة ذات النسب القرشي لا نجدها بالجزيرة، بينما هي تحكم بالأردن و المغرب. علاوة على ما نقله المقري في كتابه نفح الطيب ذاكراً مساكن أشرف العرب بعد قريش و هم الأنصار في القرن السابع الشهري “والعجب أنك تعدم هذا النسب بالمدينة وتجد منه بالأندلس في أكثر بلدانها ما يشذ عن العدد كثرة، ولقد أخبرني من سأل عن هذا النسب بالمدينة فلم يجد إلا شيخاً من الخزرج وعجوزاً من الأوس”، و هو القول الذي يؤكده ابن خلدون بمقدمته “اتسعت بلاد العرب وتوزع الأنصار في الثغور في الشام، والأندلس، وإفريقيا، والمغرب حتى خلت منهم المدينة”، و لا غرابة في ذلك إذا علمنا أن بني الأحمر آخر الحكام المسلمين في الأندلس يرجع نسبهم إلى الصحابي الأنصاري سعد بن عبادة.
في الختام، ندعوا من يحتكر الإنتماء العربي لإقليم معين أو سلالات معينة لأسباب جينية أو جغرافية مجردة من أي تدبر في سيّر التاريخ و علم الإجتماع، ندعوه إلى الكف عن ذلك و ليعلم أن العروبة هوية ثقافية عمادها اللغة العربية، و أن العربي هو كل من كانت العربية لغته الأم بغض النظر عن عرقه أو مكان مولده.
*****
د خالد الصيفي
باحث و أستاذ جامعي
لا فض فوك ??
@mansour_y رأيك في المقال يا منصور
احسنت