أن يشدد القادة الإيرانيون على ضرورة مشاركة الشعب بصورة واسعة في انتخابات مجلس الشورى المقررة الجمعة ٢١ فبراير، وأن يصل الأمر بالرئيس حسن روحاني كي “يترجى” الإيرانيين للذهاب إلى صناديق الرأي، فذلك يحمل في طياته خشية من العزوف عن المشاركة في الانتخابات ورهبة من انعكاس ذلك على شعار النظام بأنه يحظى بشعبية جماهيرية كبيرة، رغم قناعة هؤلاء القادة بوجود أسباب مادية واضحة وصريحة من شأنها أن تساهم في رفع وتيرة مقاطعة الانتخابات.
ومن ثَمّ يحيلنا ذلك لطرح التساؤل التالي: لماذا هذه الخشية والرهبة التي يعبّر عنها قادة الجمهورية الإسلامية من مقاطعة الإيرانيين للانتخابات؟
يؤكد الباحثون في الشأن الديمقراطي، بل ومعظم المراقبين للوضع السياسي في إيران، أن الانتخابات التي تجري في الجمهورية الإسلامية، سواء الرئاسية منها أو البرلمانية، لا صلة لها بالانتخابات التي تجري في دول ديمقراطية عريقة، ويستندون في ذلك إلى تاريخ طويل من عمليات حذف المنافسين لأسباب سياسية وأيديولوجية.
وفي واقع الأمر، هناك فجوة واسعة بين الأسس الفقهية التي يستند إليها النظام الديني، وبين رفعه لشعار الديمقراطية وتنظيمه لإنتخابات تفتقد التنافسية الحقيقية. أبرز ما يعكس هذه الفجوة أن مفهوم “حكم الشعب لنفسه” والذي يعتبر أحد الأهداف الرئيسية للديمقراطية، يصطدم بمبدأ ولاية الفقيه الذي يجعل للمرشد اليد الطولى والكلمة الأولى والأخيرة بدلا من أن تكون هذه الكلمة للشعب.
فلا يمكن لحكم الشعب أن يلتقي مع الأسس الدينية التي يقوم عليها النظام في إيران، وأي تنظيم للعملية الانتخابية فهو يهدف للزعم بأن النظام يستند في وجوده وفي التخطيط لسياساته وفي إصدار قراراته إلى قاعدة الشعب. أي أن النظام لا يعوّل على مخرجات الانتخابات إلا بما يتوافق مع الأرضية الفكرية العقائدية التي يقف عليها، فيحاول أن يستغل الحضور الجماهيري من أجل الإدعاء بأن ذلك يعكس الشعبية التي يحظى بها وأن ذلك يدلل على وجود قبول جارف لمبدأ ولاية الفقيه.
لذا لاحظنا كيف اختلف تعامل مؤسسات النظام مع سلوك الإيرانيين أثناء الحملات الانتخابية، وخاصة مع الشباب، عن تعاملها معهم بعد ظهور النتائج وعودة إلى طبيعتها غير الانتخابية. ونظرة على دور هذه المؤسسات، وخاصة الأمنية والقضائية، تجاه بعض السلوك المحسوب على أنه تحرري للمرأة الإيرانية، كعدم تقيدها بقوانين اللباس الإسلامي والحجاب، واختلاطها بالرجل بصورة يغلب عليها الكثير من الموانع الفقهية، سنجده مختلفا كلية عمّا هو بعد الانتخابات، ومردّ ذلك أن النظام يعمل على توظيف أي حضور جماهيري، سواء أثناء الانتخابات أو في مناسبات أخرى، لصالحه ولو تخلل هذا الحضور الكثير من المخالفات الدينية/القانونية.
ومن بين أبرز الأسباب التي من شأنها أن تساهم في عزوف الإيرانيين عن المشاركة في انتخابات الجمعة، سلسلة الاحتجاجات الشعبية ضد الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية والحقوقية، والتأثير السلبي الذي تحدثه هذه الاحتجاجات على عزيمة المشاركة، حيث أثر ذلك على الناخب وجعله فاقدا الأمل في حصول تغيير في أوضاعه عن طريق صناديق الرأي.
وجرت آخر هذه الاحتجاجات وأبرزها في أوائل نوفمبر الماضي بعد رفع الحكومة لأسعار البنزين، حيث أدى ذلك إلى حدوث مواجهات عنيفة جدا، وإلى مقتل وجرح مئات المحتجين واعتقال الآلاف، كما رافق ذلك قطع خدمة الانترنت عن كامل إيران لمدة تزيد على ٣ أسابيع.
بعبارة أخرى، أدخلت المواجهات المزيد من الخوف في قلوب القادة الإيرانيين، بسبب مشاركة الكثير ممن يُحسبون من الطبقات الفقيرة فيها، في حين كان هؤلاء يُحسبون على أنهم القاعدة الجماهيرية التي يعتمد عليها النظام.
وفيما هيمن رجال الدين المحافظون، القريبون من مرشد الثورة والحرس الثوري والمناهضون للإصلاحيين، على مجلس صيانة الدستور المنوط به الموافقة على صلاحية الترشح للإنتخابات، إلا أن ذلك ساهم في رفض أهلية ترشّح الكثيرين، وخاصة من الإصلاحيين.
فمثلا من أصل ٦٤٠ شخصية إصلاحية تقدمت لترشيح نفسها، وافق مجلس صيانة الدستور على ٤٠ منهم فقط، ووفقا لبعض التقارير الواردة من طهران تم منع ترشّح ٩٥٠٠ شخص من إجمالي ١٤٥٠٠، كما تم منع ترشّح ٩٢ من النواب الحاليين.
هذه الإجراءات جعلت العديد من القيادات الإصلاحية تقرر مقاطعة صناديق الرأي وتستبدل كلمة الانتخابات بأخرى ساخرة هي “الانتصابات”، والتي تعني “التعيين” بديلا عن “الانتخاب”، أي العمل على تعيين العديد من الشخصيات المحسوبة على المحافظين كنواب في مجلس الشورى من خلال “سيناريو انتخابي محكم” على الرغم من وجود خلافات داخل المعسكر المحافظ لتشكيل قائمة انتخابية واحدة.
وفيما يتعلق بموقف النظام من العقوبات الأمريكية بعد إلغاء الاتفاقية النووية وما رافق ذلك من أزمات وصعوبات انعكست سلبا على حياة الناس، فإن الكثير من الإيرانيين يعتقدون بأن هذا الموقف لم يضع في حسبانه مصالح الناس الاقتصادية والمعيشية، وأن النظام برفضه تقديم تنازل لواشنطن لم يفكر إلا في قضاياه المنفصلة عن هذه المصالح، خاصة مساعيه لتثبيت أقدامه في بؤر الصراع الإقليمية (في سوريا ولبنان والعراق) ولو جاء ذلك على حساب الضغوطات المرتبطة بموضوع العقوبات.
ومن جانبها، تقود المعارضة الإيرانية في الخارج حملة سياسية وإعلامية لحث المواطن الإيراني على مقاطعة الانتخابات، وقد يكون لذلك تأثيرا ملموسا على الكثير منهم، بعد ما باتوا يميلون بشكل واسع نحو مواقف المعارضة، بسبب دورها البارز في تحريك احتجاجات الشارع الإيراني وبشهادة قادة النظام.
فاخر السلطان
أضف تعليق