أتصور أن الأحداث والمشاكل التي حدثت في جلسة مجلس الأمة يوم الثلاثاء، والمتمثلة بالتشابك بالأيدي والتلاسن بين النواب وبينهم وبين رئيس المجلس، ليست جديدة أو غريبة وقد تكررت في السابق وتحدث في العديد من البرلمانات، الديمقراطية وغير الديمقراطية. وبما أن الكويت مصنفة بأنها دولة غير ديمقراطية، رغم استمرار انتخاباتها وبرلماناتها منذ حوالي ٦٠ عاما، فمن الطبيعي حصول أحداث تعكس هذه اللاديمقراطية، ليس فحسب التلاسن والتشابك بالأيدي، وإنما كان هناك تزويرا في صناديق الرأي، وتعليقا للدستور وإلغاء للحياة البرلمانية برمتها، وهذا أخطر بكثير من أي تلاسن أو تشابك بالأيدي.
(كشف المؤشر العالمي للديمقراطية الذي تعده سنويا مجلة “إيكونوميست” البريطانية وصدر الشهر الماضي، أن الكويت تحتل المرتبة ١١٤ من أصل ١٦٧ دولة، والمرتبة الخامسة على الدول العربية ووصف التقرير الكويت بأنها دولة غير ديمقراطية.”https://www.google.com/amp/s/www.alhurra.com/amp/530605.html”).
أتصور أن أسوأ ما حصل الثلاثاء، هو سوء إدارة رئيس المجلس للجلسة، وتبنيه مفردات لا تمت بصلة للوائح التي يجب أن يتقيد بها أي رئيس والتي من شأنها أن تنظم وتدير الجلسات. فقد أظهرت تلك المفردات وجود “غل وانتقام” بين الرئيس وبين بعض النواب، وعكست تجاوز كل الأعراف واللوائح البرلمانية، وأظهرت الوضع والمشهد وكأننا بانتظار “هوشة” بين مجموعة من الخارجين عن القانون بدلا من انتظار تدخل الرئيس لوضع حد لما يجري من فقدان للنظام في ظل صمت حكومي مريب، بل كان الرئيس يتعمد عدم التهدئة وكأن الهدف هو “الانتقام من الخصوم”.
قد تكون تجربة جلسة الثلاثاء، وتجارب التلاسن والتشابك العديدة غيرها، والتجارب الشعبوية والقبلية والطائفة والفئوية باسم الديمقراطية، بل وتجارب تدخل السلطة لإلغاء الحياة البرلمانية وتشويه الديمقراطية التي أساسها “حكم الشعب” بأدوات تنفيذية متداولة في مختلف الدول الديمقراطية العريقة، قد تكون هذه التجارب مدخلا لتغيير الأوضاع نحو الأفضل، إذ ينبني ذلك على ضرورة استفادة الشعب من تجاربه المريرة لصناعة حياة كريمة، غير أن المأساة ستزيد إن لم نستغلها لإحداث تحول في مواقفنا تجاه الديمقراطية “المنقوصة جدا”.
فالتاريخ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻟﻠﻜﻮﻳﺖ يشهد أن ﻗﻄﺎﺭ ﺍﻟﺪيمقرﺍﻃﻴﺔ لم يكن في يوم من الأيام ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻜﺔ، والمسؤولية في ذلك تقع على عاتق الجميع لتجهيز قطار يستطيع السير على السكة الصحيحة. ﻛﻴﻒ ﻳﻤﻜﻦ ﻓﻲ ﻇﻞ علاقة ملتبسة ﺑﻴﻦ السلطة ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺪيمقرﺍطية، أن يتم الوثوق بمخرجات السلطة لتعديل مسار الديمقراطية في ظل وجود أدوات ليس همّها ذات الديمقراطية و”حكم الشعب” وإنما همّها مصالحها الضيقة؟ إننا أمام مرحلة تاريخية تحملنا مسؤولية تبني الإصلاح السياسي لكي نسير شيئا فشيئا في طريق تعديل مسارنا المسمى زورا بالديمقراطي.
فاخر السلطان
أضف تعليق