لا يحق لكائن من كان أن يمنع أي فرد من اختيار الحل الذي يعتقد بأنه الأكثر ثقة لمعالجة أي مرض ومن ضمن ذلك مرض الكورونا، حتى لو كان هذا الحل مرتبطا برؤية دينية غيبية. فالحلول التي يختارها الناس من أجل معالجة الأمراض، إما تكون دينية وغيبية، أو بشرية مرتبطة بالعلوم الحديثة كالعلوم التجريبية. وحول ما يقال بأن الحل الديني مرتبط بالأخذ بالأسباب، والذي يعني بصورة غير مباشرة اللجوء إلى العلوم، فذلك يختلف كلية عن اللجوء للمسائل الغيبية في العلاج وهو ما يتبناه الكثير من المنتمين للمدرسة الدينية.
وعلى الرغم من أن صاحب الحل الديني الغيبي في مواجهته للأمراض يمارس الجهل والضياع، باعتبار أن حله غير مرتبط بالمنهج العلمي التجريبي الحديث وغير متعلق بالبحث عن أسبابه وطرق علاجه، إلا أن اختياره لهذا الطريق يظل اختيارا فرديا وحقا من حقوقه الشخصية، لكن لا يحق لهذا الفرد أن يجعل الجهل حلاًّ جماعيا ووسيلة للتأثير الجمعي، وإذا ما قام بذلك يحق للآخرين أن ينتقدوا تلك الممارسات ويصدّوا جهله بل وأن يطالبوا بمعاقبته، لإصراره على تجهيل الناس الساعين للخلاص من مرض خطير ما يعرضهم ذلك للموت.
فالعلاج الناتج عن العلم التجريبي هو حل غير شخصي، يمكن مراقبته وملاحظة استنتاجاته والتعرف على نهجه العلمي، وفي حال ظهر نقص في هذا الإطار فمن الممكن مراقبته ومحاسبة القائمين عليه والعمل على معالجة مكامن النقص فيه.
لكن هل يمكن اكتشاف مكامن النقص في الحل الديني الغيبي المنطلق من وسيلة “الإيمان”؟ وإذا لم يحقق هذا الحل أي نتيجة مادية، كيف يمكن محاسبة الداعي له فيما هو ينطلق من الغيبيات التي عادة ما تكون نتاج أقوال مأثورة ومقدسة؟ وبفشل الحل الغيبي، القائم على الجهل والتجهيل، هل يمكن وصفه بأنه شكل من أشكال الخرافة؟
نعم، هو نوع من أنواع الخرافة في مقابل العلم الحديث. لذلك، يدخل نقده في صميم المسؤولية الأخلاقية. فالبحث عن علاج غير شخصاني للمرض اعتمادا على الخرافة يعكس التقليل من دور العقل البشري الساعي لاكتشافات تخدم البشرية، لذا لا يبالي صاحب الخرافة بجهود العلماء ولا بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم لإيجاد علاجات عملية مثبّتة تجريبيا.
يقول روبرت أيه سيغال في مقدمة كتابه “الخرافة” إن “الخرافة جزء من الدين، وبينما يوفر الدين – المنفصل عن الخرافة – الاعتقاد في الآلهة، تملأ الخرافة الفراغ بتفاصيل طريقة تنفيذ الآلهة للأحداث. ونظرا لأن الخرافة جزء من الدين، أدى صعود العلم كتفسير حديث ومهيمن للأحداث المادية إلى سقوط الدين والخرافة معا”. فهل يريد أصحاب الطرح الخرافي لمعالجة الأمراض، أن يساهموا في “تشويه” الدين بجعله يتنافس بصورة واهية مع العلم الحديث في البحث عن أسباب الأمراض واكتشاف العلاجات لها؟.
لقد أصبح العلم الحديث مسؤولا عن تفسير كل العالم المادي، وعلى القائمين على الدين أن يسلموا زمام تفسير المسائل المادية، بما في ذلك معرفة الأمراض وأسبابها وإيجاد العلاج لها، إلى العلم الحديث، وأن يتجه الدين لتفسير المسائل غير المادية ذات الطبيعة الشخصية. وإلاّ سيكون الدين أمام معضلة حقيقية.
فاخر السلطان
من ختام المقال نبدأ ، فنقول : ليس سيكون بل صار ( الدين – في وليس أمام – معضلة حقيقية ) !
بالأمس القريب ببلدٍ ( شُهِرَ بالتعصب الديني الى درجة الاحتكار القصري ) كان الدين يلعلع بألسنة دعاته الذين تبيّن في ما بعد أن أغلبهم يتخذ الدين صهوة للإسترزاق المادي أو البروز الشخصي لنيل المكانة الاجتماعية المسلكة لصاحبها كافة السُبُل في أي مجال يطرقه دنيوياً كان أو دينياً ، سياسياً أو اقتصادياً ، وحتى حمائياً أمنياً ، حيث في ذلك البلد لم يكد أي سلوك أو تصرف أو رأي أو عمل حتى النويا تستشف من الأحاديث ، لم يكد أي نهج اجتماعي ينجؤ من التحريم والتأثيم وأحياناً التجريم والمطالبات والدعوات ( الدينية ) بإنزال العقاب الشرعي الأشد – بما في ذلك الحد المنهي للحياة – بمَن يتفوه بكلمة لا يستسيغها ( الدينيون ) !
فماذا حصل في ذلك البلد بعد أن حل فيه عهد جديد له نظرة أو سياسة أو رؤية للحاضر والمستقبل تتعارض كليّةً مع المنهجية الدينية الدعوية السائدة ؟ انقلب الوضع والنهج ( الديني الدعوي ) رأساً على عقب ، فصار أغلب – إن لم يكن كل – ما حُرِّمَ سابقاً حلالاً ، وما مُنِعَ مسموحاً ، و ( النهي اختفى ) و ( الأمر أُلغي ) والمكروه حُبِبَ فيه ، والمحذور أُبِيح ! أي بالمختصر ( انقلاب كامل الأركان والمواصفات ) حل في ذلك البلد موجهاً للمؤسسة الدينية ونازلاً على رؤوس رموزها كالمطارق على مسامير الخشب !!
والملفت للنظر والمثبت لمعدومية الصدقية الدعوية الدينية ، أن ولا واحد من أولائك الذين اصمّوا الأسماع وأعموا العيون بلعلعاتهم الدينية ومناظرهم البكائية وهلوساتهم التحذيرية من العواقب العقابية الإلهية الوخيمة التي ستحل بالتعجيل ولا تقبل التأجيل إن لم يمتثل الناس ويطبقوا وينفذوا ما يدعوهم إليه ويأمرهم به الدعاة الدينيون ، الملفت للنظر أن هؤلاء الدعاة الملعلعين اختفوا وخرسوا وتواروا عن الأنظار حين رأت السلطة ما لا يرون وأرادت ما لا يريدون ، ولم ينبس ببنت شفة أشجعهم وأفهمهم وأشدهم حماساً للدين ، في شأن التغيير المنهجي الاجتماعي ( الانقلابي )! خرسوا جميعاً وقالوا ما يراه الحاكم ( ولي الأمر ) هو الحلال والصواب والمفيد والناجع الجويد ! بمعنى أدق أحللوا ما يراه الحاكم – من حيث الأولوية والوجوبية – محل ما يراه الإله ، بعكس واستدارة 180 درجة عمّا كانوا يدّعون ويدعون أيام صولاتهم ( الجهادية ) باللعلعة اللسانية !!
لديكم بطء مزعج في اجازة التعليق !
لماذا لا تجعلون مراقبتكم لاحق وليس سابقة ؟
السلام عليكم ،،
بما أنكم لم تجيزوا نشر تعليقي على مقال الكاتب فاخر السلطان المعنون ( كورونا .. والخرافات ) وهذا طبعاً حقكم ولا اعتراض عليه ، فأني أرجو التكرم بإرسال ذات التعليق إليّ من خلال البريد الإلكتروني ( الإيميل ) الظاهر في التعليق وفي هذا الطلب ؛ وأكون لكم شاكراً .
أبو حازم العصيمي
4مارس2020م