لاشك أنّ الجنون مقدّر على من فقدَ عقلَهُ بسببِ الإفلاسِ من بعدِ الغِنَى إبانَ شروعه في تلك المساهمات وما شابه، ولكن للجنون أسباب كثيرة.
لاشك -أيضًا- أنّه لمْ يُجَنّ إلّا باعتماده على تلك القناعة التي أسّس عليها فكرَه أنّ المال كل شيء!
إذ كان يظنّ أنّ هذا الفِكر مناعةً له في كل شيء! فهذا الفِكر جنون على سبيل المجاز قبل أنْ يكون حقيقةً مُفجعه.
إنّ المَنَاعةَ العقليّةَ من الجنونِ -بعدَ لطفِ اللهِ- تَختَصِرُها جملةٌ في سطرٍ واحدٍ فقط :
” لله ما أعطى ولَهُ ما أخذَ وكل شَيءٍ عِندَهُ بِأجَلٍ مُسَمّى .. ” و هي تُقال عادةً في أعظمِ مصيبةٍ وهيَ الموت، فتُهدّئ ذوي المصاب، و تبُثّ الطمأنينةَ والإيمانَ في صدرِ المُتَمَعّنِ في مفردِاتِها الربّانيّة.
ولا مصيبة أعظم من فقدِ الروح فيُقال: ” المصابُ جلَل ”
ولا مقارنة بينَ فقدُ إنسانٍ و بينَ فقدِ الأموال، مع أنّها كلها في ظِلّ المصيبة، التي تتفاوت درجاتها، كما تختلف عناوين الأخبار من حيث الأهميّة، فإنّ الكثير من الأموال تُصرف والآلاف من الناس يتجمّعون لعتقِ رقبةٍ واحدةٍ، مهما كانت صفات الإنسان المُعتَق، و الروح أغلى من المال -لاشك- .
إنّ عدم تحصين الفكر بالوعي الصحيح قد يجُرّ الإنسانَ إلى مصيبةٍ أعظم من مصيبتِه التي حلّت به !
فالإفلاس أهون من الجنونِ طبعًا .
يجب على الإنسانِ مهما استَتَبّت أمورُهُ و عاشَ الرفاهيةَ أنْ يكونَ مستعدًّا لتغيّراتِ الأيامِ وتقلباتِ الأحوال ( وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ )، وقيل: ” الدهر يومان يومٌ لك ويومٌ عليك .. ” .
و بما أن الاختلاف بين الناس واضحٌ وجليّ في الحالة الصحيةِ الجسميّةِ فلا شك أن اصحاب الأمراض المزمنة اكثر احتمالية في الإصابة بالأمراض العقلية في وقت الصدمات، إذْ تُشير أبحاثٌ أُجريت إلى أن ” الأمراض المزمنة مثل: مرض القلب التاجي، ومرض السكر النوع الثاني يحتمل أن تشترك في آلية حيوية مع الأمراض العقلية” .
أنْ تتوقع الأسوأ -من غير تشاؤم- خير لك من أنْ تتَحرّى الأفضل دائمًا، من غير خلل في مسألة التفاؤل، فإنّ لهذهِ المعادلةِ ميزانٌ دقيقُ الشوكةِ، تُوزنُ فيه الأمورُ المستقبليّةُ جميعُها، مهما كَبُرت وعَظُمَت، أو سرَّت وأبهجَت، بين كِفّةٍ يُحتملُ فيها ثقل الأسوأ من غيرِ تشاؤم، وكِفّةٍ يوضَعُ فيها الخفيف من الأفضل مع توطيد التفاؤل، فإذا فَجَأتْكَ الأتراح ووَقعَ المحظور كانت مناعةُ العقلِ لها بالمرصادِ، فيقلّلُ من شأنِها؛ لأنّهُ على هُبةِ الإستعدادِ لأي أمرٍ طارئٍ بتلك الدرعِ الحصينة، و إذا تهيأت الأفراحُ ووَقعَ المأمول من المسرات كانت مفاجأةً تملأُ الأجواءَ بهجةً أكبر من بهجةِ المتحرّي لها، أو المرجِّح حصولها على كلِّ حال .
مسفر العرجاني
أضف تعليق