كتاب سبر

قصة الأولى وشركة بورصة الكويت

من وجهة نظري الشخصية ومن خلال متابعتي لأسواق المال والبورصات، استوقفتني الآلية والمنهجية التي تم من خلالها إدارة حوكمة ملف استثمار الشركة الأولى للاستثمار في شركة بورصة الكويت للأوراق المالية، وانعكاسات الغموض المصاحب له على صغار المستثمرين، والأثر المباشر والغير مباشر للقرارات الاستثمارية على مساهمي الشركة الأولى للاستثمار.

بداية، سأسترجع معكم الموضوع من خلال فرشة بسيطة لأهم التفاصيل، في فبراير ٢٠١٩ فازت شركة الأولى ‏للاستثمار ضمن تحالف لشركات استثمارية في مزاد خصخصة بورصة الكويت، وأود ان أعرج على بعض الإشتراطات الخاصة بعملية الاكتتاب لارتباطها في موضوع المقال حيث اقتصرت المشاركة في المزاد على البنوك وشركات الاستثمار وشركات التمويل فقط، والتي سمح لها بالتصنيف كمشغل محلي مؤهل حسب تصنيف هيئة أسواق المال، بالإضافة إلى اشتراط التزام المشغلين الاستراتيجيين بتملك الحصة لمدة لا تقل عن ٥ سنوات.

وعلى اثر فوز تحالف الأولى، تملكت الشركة حصة مؤثرة تبلغ ١٤.٤٠٧٪، وفي هذا الوقت أثيرت تساؤلات من قبل المراقبين للأسواق والمهتمين بصناعة الاقتصاد الإسلامي، حيث ان الشركة الأولى للاستثمار ينص نظامها الأساسي على أنها تعمل وفق أحكام الشريعة، وفي نفس الوقت جزء كبير من القيم السوقية والتداولات في البوصة هي لشركات لا تتعامل وفق احكام الشريعة الإسلامية، على سبيل المثال لا الحصر البنوك التقليدية، وهذا ما منع البنوك والشركات الإسلامية الأخرى من الدخول في المزاد من الأساس، فكيف ستتعامل الشركة مع الأرباح الناتجة من هذه التعاملات، وإن كانت قد اخذت هذا في الاعتبار قبل الدخول في المزاد من عدمه، وهذا على افتراض وجود فتوى من الهيئة الشرعية بجواز الدخول في هذا الاستثمار من أساسه.

ومما جعل هذه التساؤلات مستحقة هو فتوي وزارة الأوقاف رقم ٢٢هـ/٢٠١٩م الصادرة في ٢٠/١٠/٢٠١٩ بعدم شرعية الاستثمار في شركة البورصة، وبحسب اطلاعي فأن أغلب الهيئات والآراء كانت متوافقة مع فتوى الأوقاف، بعكس ما حصل في اكتتاب شمال الزور من تباين واضح في بعض الآراء والفتاوى.

الحدث المحوري كان في يوليو ٢٠٢٠، بعد ١١ يوم من عقد الجمعية العمومية لشركة الأولى، وتشكيل مجلس الإدارة ، أفصحت الشركة عن بيع حصتها في البورصة، والتي تعتبر من الأصول الجوهرية في البيانات المالية للشركة الأولى، إلى شركة الخليج للكابلات، على الرغم من أنه لم يرد الموضوع او العرض المقدم من شركة الكابلات في محضر اجتماع الجمعية المفصح عنه في موقع البورصة، وقد تم البيع بسعر ‏٤٠٠ فلس للسهم دون ذكر أسباب البيع او الألية التي تم البيع أو تحديد السعر على أساسها، بقيمة إجمالية تقدر بـ١١.٥ مليون دينار، مع إفصاح عن تسجل أرباح بحوالي ٥ ملايين دينار، في حين كان السهم يتداول بسعر ٧٥٨ فلس في سوق ال OTC، ما يعني ان القيمة السوقية للأسهم المباعة في سوق الـ OTC كانت تقدر ب ٢١.٩ مليون دينار كويتي تقريبا، بينما سعر السهم عند كتابة هذا المقال أرتفع بعد الإدراج الرسمي وبلغ ١.٠٩٦ دينار كويتي، ما يعني القيمة السوقية لحصة الأولى المباعة قبل أسابيع قليلة تقدر ب ٣١.٧ مليون، الفارق بين هذه الأسعار مضاعفات تبلغ الملايين من الدنانير.

وهذا ما اثار حفيظة مجموعة من صغار المساهمين الذين بنوا قراراتهم الاستثمارية على معلومات مفصح عنها في المواقع الرسمية، وكذلك أسس الحوكمة التي تم إغفالها في هذا الملف أثارت تساؤلات مستحقة، كانت من ضمنها أسئلة النائب عبدالله الكندري لوزير التجارة حول الصفقة بتاريخ ٢١/٧/٢٠٢٠، والمنشورة في موقعه على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي كان من ضمنها انه نما إلى علمه ان هناك شبهه شرعية والتي على اثرها تم بيع حصة الشركة بهذا الشكل.

في ضوء ما هو مذكور أعلاه، وفي ظل عدم عرض صفقة البيع على الجمعية العمومية، وأخذ موافقة مسبقة من المساهمين، أخذا في الاعتبار الفارق الزمني القصير بين الحدثين، على الرغم من أن أسهم شركة بورصة الكويت تمثل أصل جوهري لشركة الأولى للاستثمار، تظل هناك الكثير من الأسئلة التي لا أملك لها إجابة، أولها هل تم خصخصة بورصة الكويت في أفضل طريقة في ظل تعثر الملف لسنوات؟ أم كان هناك فرصة أفضل لتعظيم العائد على المال العام؟
من زاوية الحوكمة وحقوق المساهمين ومصلحة الشركة، لماذا لم تتنظر إدارة شركة الأولى إدراج أسهم شركة البورصة، التي كان من الممكن أن تمثل قيمة مضافة لحصة الأولى، فكما هو معلوم وجرت عليه الأسواق بيع حصة مؤثرة في شركة مدرجة يكون بعلاوة غالبًا، بينما تباع حصص الشركات الغير مدرجة بخصم في العادة؟
أما المخالفات الشرعية التي صاحبت العملية تثير المزيد من التساؤلات، فإذا كانت شركة بورصة الكويت متوافق شرعيًا، فلماذا وافقت هيئة أسواق المال على طلب الأولى بيع حصتها قبل مضي ٥ سنوات التي كانت تشترطها؟ وهل الشركة الشارية تعتبر من شركات الاستثمار او التمويل التي اشترطتها الهيئة في لدخول المزاد كمشغل محلي؟ ولماذا لم تقم الأولى بطرح الاستثمار بمزايدة رسمية بين الشركات المؤهلة كمشغل محلي فقط حسب تصنيف الهيئة وقت المزايدة الأساسية؟

وهنا تساؤل ان كان البيع لطرف غير مؤهل من ضمن الاشتراطات التي فرضتها الهيئة في المزاد، فهل سينتج عنه طعن في المزاد الذي تم، حيث ان الأطراف الأخرى المتقدمة والمؤهلة ضاعت عليها فرصة استثمارية، ناهيك عن الشركات التي كانت ترغب في الاستثمار وتملك الملائة المالية ولكن لا ينطبق عليها شرط الترخيص.

أما إذا كانت شركة بورصة الكويت غير متوافقة شرعيًا، حسب فتوى وزارة الاوقاف، فلماذا وافقت هيئة أسواق المال على مشاركة الأولي في التحالف الفائز بمزاد البورصة رغم مخالفتها لنظامها الأساسي؟ هل يمكن للشركات التي شاركت في المزايدة ونافست التحالف الفائز على أسهم بورصة الكويت التظلم والاعتراض وإبطال المزاد إعمال لمبدأ ما بني على باطل فهو باطل؟

والأهم من هذا كله، ما مصير الأرباح المحرمة وغير الشرعية لملاك الأولى من بيع حصتهم في بورصة الكويت، والتي تقدر حسب الإفصاحات الرسمية ب ٥ ملايين دينار كويتي؟ والتي تم الإفصاح عنها انه سيتم الاعتراف فيها من ضمن بيان الدخل الشامل المجمع، كيف سيتم تطهيرها ؟

والسؤال الأهم من يعوض الملاك عن الخسارة الدفترية والفرص الضائعة البديلة؟

د. سعود أسعد الثاقب

قسم التمويل في كلية العلوم الإدارية -جامعة الكويت

[email protected]
تويتر
@salthajeb

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.