لن تتطرق الدراسة لمسائل أخرى مرتبطة بالموضوع كمدى دستورية النص من حيث الظاهر، أو قواعد سريانه، أو حول التوصيف القانوني للفقرة الثانية حول ما اذا كانت شرط أم عقوبة تبعية، حيث سنقوم بالتركيز حول مسألة وحيدة ودقيقة بخصوص أبدية الحرمان من عدمها على ضوء التشريعات الكويتية.
فيظهر تساؤل وهو موضوع الدراسة المصغرة والتي سنكرز فيها على مسألة محددة وهي “هل الفقرة الثانية المضافة بالقانون رقم 27 لسنة 2016 تقرر حرمان أبدي أم حرمان مؤقت؟
“يحرم من الانتحاب المحكوم عليه بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف أو بالأمانة إلى أن يرد إليه اعتباره.
كما يحرم من الانتخاب كل من أدين بحكم نهائي في جريمة المساس بـ :
أ – الذات الإلهية .
ب – الأنبياء .
ج – الذات الأميرية
يلاحظ أن هذا الموضوع أخذ زخما إعلاميا حول الأراء المطروحة بخصوص منع المرشحين والذين تمت ادانتهم بحسب نصوص عقابية تتعلق بالمساس سواء بالذات الإلهية أو الأنبياء أو الذات الأميرية. وهذا الزخم دار حول وجود احكام تعلقت بالعديد من السياسيين سواء من أعضاء مجالس الأمة السابقين أو النشطاء. والفاحص للموضوع يرى بانه ساد افتراض عام لا نقر بصحته ولا نعلم من أين آتى بأن الفقرة الثانية تقرر حرمانا أبديا من الانتخاب لكل من أدين بتلك الجرائم. فلا نعلم من أين أتت تلك الفرضية من ابدية النص؟ وكيف ساد هذا الفهم العام الذي لا يجد له أساس من الصحة ولا تسعفه التفسيرات المنهجية ولا النصوص المكتوبة.
إذا علمنا ان الحرمان المؤقت من ممارسة الحق بالانتخاب هو استثناء غير مرحب به من الأصل العام فالأصل هي الممارسة الانتخابية وتشكيل أهم اركان السلطات في الدولة وهي البرلمان، وهذا الاستثناء لابد من نص يقرره ويخضع هذا الاستثناء لقواعد الشرعية الدستورية ويدور النقاش حول مدى شرعيته من عدمها.
ولا يغير من هذا الواقع نص المشرع في الفقرة الأولى على حرمان الناخب من ممارسة الحق في الانتخاب حتى يرد إليه اعتباره، حيث أن إضافة الفقرة الأخيرة ما هي الا تقرير المقرر وطرح المفترض ولو لم ينص عليه المشرع. حيث أن رد الاعتبار هي من المسائل البديهية والمنطقية التي تحرم ابدية العقوبات وتسهيل ذوبان المدان في مجتمعه سواء على الصعيد الاجتماعي أو الوظيفي او السياسي أو غيرها من الأصعدة.
لذا عدم إضافة عبارة ما لم يرد اليه اعتباره في الفقرة الثانية يستحيل معها القول بان الحرمان تحول من مؤقت إلى أبدي، حيث انه كما سبق الإشارة اليه من أن الحرمان بذاته استثناء وعليه عدم ذكره لا يؤثر. بل لو أراد المشرع أن يقرر الحرمان الأبدي لمن يدان بهذه الجرائم فعليه أن ينص على ذلك صراحة في عجز المادة والتي سيكون للمتضرر في هذه الحالة اللجوء للمحكمة الدستورية لفحص دستوريته، والتي نعتقد بأنه في حال صياغتها بهذا الشكل الصريح فإن القضاء الدستوري يصعب معه أن يقبل بتواجد مثل هذا النص والذي يقرر هذا المانع المؤبد.
فليس من المنطق الدستوري أن يتم تقرير حرمان ابدي دون على الأقل النص على هذا الحرمان الشاذ بالقانون فكيف نخلق شيء من العدم ونفترضه افتراضا دون النص عليه وهو ما يخالف ابسط قواعد الشرعية الدستورية. بل أن هذه الفرضية غير المكتوبة تخالف قاعدة أخرى مكتوبة وذلك في نص المادة 244 من قانون الإجراءات الجزائية التي نصت على أنه ” كل حكم بعقوبة تظل اثاره الجنائية قائمة الى ان يسترد المحكوم عليه اعتباره بحكم القانون او بحكم قضائي. يترتب على رد الاعتبار القانوني او القضائي محو الحكم بالادانة بالنسبة الى المستقبل وزوال كل ما يترتب عليه من آثار جنائية ، ولكن لا اثر له في حقوق الغير”.
فكيف نخلق شيء من العدم كما أنه يخالف المنطق الدستوري الذي يسعى لفرض سياج من الحماية لكل حق سواء في ممارسته أو تقليل العقبات المانعة من ممارسته. بالإضافة لمخالفة هذه الفرضية من تأبيد النص صريح في قانون الإجراءات؟ كما أنه لا مجال للقول بأن النص نسخ المادة 244 حيث أنه لا ينسخ النص الصريح إلا بنص صريح أخر.
كما أنه بالنظر إلى جميع الجرائم المنصوص عليها سابقا هي جرائم تتعلق بالرأي سواء اختلفنا معها أو اتفقنا وقد تكون العقوبة فيها سواء بالامتناع عن النطق بالعقاب أو الغرامات وغيرها من الأحكام المخففة. كما بالنظرا لما تخضع له جرائم الرأي من تباين حول تصور قيام الجريمة من عدمها وصولا لاثباتها وذهاب القصد اليها.
إن البرلمانات المنتخبة وتشكيلها لها دور غاية في الأهمية في النظم الدستورية والسياسية لتعلقها باعتبارات كثيرة، لذا يجب أن ينظر إلى قانون الانتخابية بعين حريصة وأن تحكمها نصوص ذات صياغة دقيقة ومنضبطة. وعلى القضاء مسئولية كبيرة في توفير كافة الضمانات لحماية العملية الانتخابية بمختلف عناصرها، خاصة في مسألة قيد الناخبين وقواعد الحرمان من الانتخاب، وعليه يجب أن تسبغ بأقصى أنواع الحماية الدستورية عند اخضاعها للإعمال أو التفسير.
د.فواز الجدعي
أضف تعليق