لقد كان عام 2020 مليئًا بالكثير من الأحداث المثيرة، بداية من جائحة فيروس كورونا العالمية ويوم الاثنين الأسود التاريخي والخميس الأسود وحرب أسعار النفط الروسية السعودية وملحمة البريكست الجارية والانتخابات الرئاسية الأمريكية المحمومة إلى حد ما، كل هذه الأحداث وأكثر يمكن أن تصف هذا العام بأي شيء سوى أنه كان عام مستقر.
مع تصاعد عدم اليقين السياسي والاقتصادي أصبح الذهب أحد الأصول التي لجأ إليها العديد من المستثمرين الذين يتطلعون إلى تقليل المخاطر وتنويع محافظهم الاستثمارية، لكن السؤال الآن هو: بعد تسجيل أرقام قياسية جديدة هذا العام هل سترتفع أسعار تداول الذهب لتتجاوز 2000 دولار للأونصة مرة أخرى في أي وقت قريب؟ وهل يجب تخزين هذا المعدن الثمين مع اقتراب عام 2021؟.
الأوقات المضطربة تغذي النمو الممتاز
بعد أن فقد الكثير من لمعانه وهبط إلى ما دون 1200 دولار للأونصة في عام 2018، حقق الذهب انتعاشًا رائعًا في عام 2019 حيث ارتفع بنسبة 20% تقريبًا ليغلق العام عند 1519 دولار للأونصة، استمر في صعوده المذهل خلال 2020حتى وصل إلى 1672 دولار للأونصة بحلول 24 فبراير 2020.
في منتصف مارس شهد السوق عمليات بيع مكثفة التي أخفضت سعر الذهب إلى 1477 دولار، لكن سرعان ما ارتفع المعدن بسرعة متجاوزًا 1700 دولار، حيث عززت أسعار الفائدة المنخفضة والتحفيز الاقتصادي غير المسبوق من قبل الحكومات والبنوك المركزية العالمية اهتمام المستثمرين بأصول الملاذ الآمن.
في أوائل شهر يونيو فقط انخفض الذهب، ثم عاد ليواصل زخمه الصعودي ويسجل أعلى مستوياته على الإطلاق في 6 أغسطس حيث وصل إلى 2070 دولار للأونصة، مرتفعًا بنسبة 35% منذ بداية عام 2020 و 40% من أدنى مستوياته في مارس.
كان النمو مدفوعًا بضعف الدولار الأمريكي وعدد من الأحداث الجيوسياسية والاقتصادية الهامة على الساحة العالمية، مثل اتفاقية الاتحاد الأوروبي بشأن صندوق التعافي بقيمة 750 مليار يورو ( 890 مليار دولار) لدعم الاقتصاد المتضرر من فيروس كورونا وإغلاق القنصلية الصينية في هيوستن بالولايات المتحدة مما جدد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
مع بدء ارتفاع الدولار تراجع المعدن ليتداول بين نطاقي 1900 و 1950 دولار للأونصة في سبتمبر،ثم تراجع إلى 1865 دولار للأونصة في الأيام الأخيرة من أكتوبر، لتتبعها زيادة قوية في الأسعار على خلفية اضطرابات الانتخابات الرئاسية الأمريكية حيث بلغت السلعة ذروتها عند 1960 دولار للأونصة في 9 نوفمبر.
ومع ذلك، انخفض الذهب بنسبة 5.4٪ خلال شهر نوفمبر مسجلًا أكبر تراجع شهري منذ مايو 2016 متراجعًا لأقل بكثير من مستوى 1900 دولار، وذلك بعد الأنباء المتتالية عن تطوير لقاحات فيروس كورونا، حيث أعلنت شركتا فايزر وبينوتك أنه تم العثور على اللقاح المرشح ليكون فعالاً بنسبة تزيد عن 90٪ في الوقاية من فيروس كورونا، وتضاءلت معنويات الشراء أكثر عقب الاعلان عن لقاحات شركة مودرنا ثم شركة استرا زينكا التي قالت إن لقاحها حقق فعالية في المتوسط بنسبة 70 ٪ ولم يتم الإبلاغ عن أي حالات دخول إلى المستشفى أو حالات خطيرة من قبل المشاركين الذين يتلقون اللقاح.
يتم تداول المعدن الثمين في الوقت الحالي عند قرابة 1830 دولار للأونصة وهو ما يقرب من 20% مكسبًا منذ بداية العام حتى الآن، ولكن هل سيرتفع سعر الذهب إلى أعلى قبل نهاية هذا العام؟ وما الذي من المرجح أن يحدد اتجاه أسعاره في المستقبل؟.
عوامل تدفع السوق في الأسابيع المقبلة
من المعروف أن أسعار الذهب تميل إلى الاستفادة من حالة عدم اليقين المتزايدة سواء على الصعيد الاقتصادي أو السياسي، فخلال هذا العام لجأ المستثمرون لتحوط محافظهم الاستثمارية إلى المعدن الأصفر في العديد من الاستثمارات التي تشمل السبائك الذهبية والأسهم والصناديق المتداولة في البورصة المدعومة بالذهب مما رفع قيمة السلعة إلى الأعلى.
من بين العديد من القضايا، أصبح التضخم أحد أسوأ مخاوف السوق في عام 2020، وبينما تحاول الحكومات في جميع أنحاء العالم تعويض الضرر الذي أحدثه فيروس كورونا، تم ضخ تريليونات الدولارات في الاقتصاد العالمي من خلال التحفيز المالي والتيسير الكمي، استنادًا إلى البيانات التاريخية فإن التحفيز لهذا العام قد تجاوز بالفعل الإجراءات المتخذة خلال الأزمة المالية العالمية 2008-2009.
توقعات سعر الذهب في عام 2021
خلال أوقات التيسير النقدي يميل المستثمرون إلى التحول من الدولار الأمريكي إلى الذهب كتحوط ضد التضخم، مما يضيف قيمة إلى المعدن الثمين.
عامل مهم آخر سيحدد أسعار الذهب في المستقبل على الأقل في المدى القريب هو فيروس كورونا، بعدما ضربت الموجة الثانية العالم بالفعل، فمع ارتفاع عدد حالات الإصابة اليومية أعادت العديد من الدول إجراءات الإغلاق وهذا بدوره سيلقي بظلاله على الاقتصادات المتعثرة بالفعل، إذا قررت الحكومات جرعة جديدة من التحفيز المالي والنقدي، فقد يستمر المعدن الأصفر في ارتفاعه كونه المستفيد الأكبر من أزمة كوفيد 19، وإذا استمر الاقتصاد العالمي في الركود بسبب الوباء وتأثير التوترات الجيوسياسية المتصاعدة على التجارة الدولية فقد نرى ارتفاع سعر الذهب أعلى بل وقد يحطم أرقامه القياسية السابقة.
في حين أن التطورات الإيجابية في إيجاد لقاح فعال ضد فيروس كورونا قد عززت من شهية المستثمرين للمخاطرة، ما زال من المتوقع أن تظل أسعار الذهب مرتفعة في العام المقبل، نظرًا لأن العوائد الحقيقية في الولايات المتحدة تتراجع باستمرار بما يدعم الطلب على الذهب وتعوض الكثير من الضعف المرتبط بزيادة الرغبة في المخاطرة، نتيجة لذلك، من المحتمل أن يستقر سعر المعدن حول 1900 دولار للأونصة حتى نهاية عام 2021.
توقع بنك جولدمان ساكس باستمرار صعود الذهب حتى العام المقبل مستهدفًا سعر 2300 دولار للأونصة، حيث يروا أن السوق الصاعدة الهيكلية للسلعة لم تنتهي بعد وسيتم استأنفها في العام المقبل مع ارتفاع توقعات التضخم وضعف الدولار الأمريكي وتزايد الطلب من الأسواق الناشئة.
كما أن سيتي بنك متفائل بشأن مستقبل السلعة، في أحدث توقعاتهم للأسعار قال إنهم يرون أن المعدن سيرتفع إلى 2200 دولار للأونصة في ثلاثة أشهر وإلى 2400 دولار للأونصة في ستة إلى 12 شهرًا، وأضافوا أنهم رفعوا توقعاتهم لسعر الذهب بمقدار 300 دولار مقابل تحديثاتهم لشهر يوليو إلى مستوى قياسي بلغ 2275 دولار للأونصة.
في المقابل أشارت تنبؤات البعض عن أسعار الذهب في 2021 إلى تراجعه بشكل نسبي، وذلك مع تدهور حالة الوباء التي ستنعش الاقتصاد العالمي بكل نسبي، كان لسعر الذهب علاقة عكسية قوية مع عائدات السندات الأمريكية وأسعار الفائدة الحقيقية التي بدأت في الارتفاع، على المدى القصير قد ينخفض السعر أكثر ولكن وضع الذهب كملاذ آمن يجب أن يوفر له بعض الدعم.
الخلاصة: هل الذهب استثمار آمن؟
هل سيرتفع سعر الذهب؟ لا أحد يستطيع الإجابة على هذا السؤال بشكل قطعي، لكن غالبية التوقعات تشير إلى أن أداء المعدن سيكون جيدًا في عام 2021، في حين أن التوقعات الحالية قد تكون صعودية بشكل عام إلا أنه يجب أن نتذكر أن الأسواق المالية العالمية لا تزال شديدة التقلب، لذلك، فإن التنبؤ بأسعار المعدن طويلة الأجل أمر صعب نوعًا ما.
أضف تعليق