كانت العرب من أوفر الأمم وفاء للوعد، حيث روي عن المثنى بن حارثة الشيباني قال: “لأن أموت عطشا أحب إلى من أن أخلف موعدًا”.
ومن شدة تنافر العرب وبغضها لإخلاف الوعد كانت تحذر من أن يكون المرء مخلف الوعد مثل “عرقوب”.
وأصل القصة: كان عرقوب رجلاً من العماليق، فأتاه أخ له يسأله شيئا، فقال له عرقوب: إذا طلع نخلى فلما طلع أتاه فقال له: إذا بلح، فلما بلح أتاه، فقال: إذا زهى، فلما زهى أتاه، فقال: إذا أرطب، فلما أرطب أتاه، فقال: إذا ثمر، فلما ثمر جذه ليلاً، ولم يعطه شيئا، فضربت به العرب المثل في خلف الوعد.
وقال بعض الحكماء: وعد الكريم نقد، ووعد اللئيم تسويف.
وكان يحيى بن خالد البرمكي يقول: المواعيد شباك الكرام يصيدون بها محامد الإخوان، ألا تراهم يقولون: فلان ينجز الوعد، ويفي بالضمان، ويصدق في المقال، ولولا ما تقدم من حسن موقع الوعد، لبطل حسن هذا المدح.
وكان أيضاً يقول: إن الحاجة إذا لم يتقدمها وعد تنتظر نجاحه، لم تتجاوب الأنفس سرورها، فدع الحاجة تختمر بالوعد، ليكون لها عند المصطنع حسن موقع ولطف محل.
وأجرى خبراء الاقتصاد في جامعتي باث في المملكة المتحدة وكونزتانز في ألمانيا تجربة انتخابية في المختبر شارك فيها 308 شخص، وجدت أن المرشحين الذين يتقدمون في مجال السياسة هم “الأكثر استعداداً للنكث بوعودهم الانتخابية”.
في زمن الحرب يصبح الصدق شيئًا ثمينًا، لا بد أن يُحاط بسياج من الأكاذيب”، مقولةٌ أوردها أستاذ العلوم السياسية الأمريكي “جون ميرشايمر” على لسان رئيس الوزراء البريطاني الراحل “ونستون تشرشل” في كتابه “لماذا يكذب القادة؟ حقيقة الكذب في العلاقات الدولية”.
لا تختلف مقولة “تشرشل” كثيرًا عما ذهب إليه الفيلسوف والسياسي الإيطالي “مكيافيلي” من أن “الغاية تبرر الوسيلة”، كما أنها لا تختلف كثيرا عما شهده التاريخ السياسي للكثير من الأعضاء.
ومع الأسف ما نراه اليوم من بعض أعضاء المجلس من تراجع عن وعودهم الإنتخابية أثناء حملاتهم.
بل كثير منهم استخدم اغلظ الإيمان في الذود عن الدستور ومحاربة الفساد والفاسدين.
ولكن كل هذه الوعد أصبحت مثل وعد عرقوب.
الداهوم رقم صعب لذلك كان لابد أن ينزاح عن المشهد السياسي اليوم خاصة ماتمر به البلاد من سخط شعبي يذكرنا بأحداث ماقبل عام 90.
ولكن هل شطب الداهوم هو آخر هذا المشهد السياسي؟
وفي الختام نختم بهذه الأبيات.
أضاعوني وأيَّ فتًى أضاعوا
ليوم كريهةٍ وسِدادِ ثـَغْـر
وصبرٍ عند معترَك المنـايا
وقد شُرِعتْ أسنَّتُها بنَحري
أجرِّر في الجوامع كـل يومٍ
فيا لله مَظْلَمَتي وصـبـري
كأنّي لم أكن فيهم وسيطًا
ولم تكُ نسبتي في آل عمرو
عيسى راشد الهاجري
أضف تعليق