منذ انتخابات رئاسة مجلس الأمة الذي جدد فيه العهد الجديد ذات النهج القديم بتحالفه مع شخصية منبوذة شعبيا، والسلطة تعاني من خسائر استراتيجية أضرت كثيرا برصيدها الشعبي ، مقابل مكاسب تكتيكية محدودة لن تدوم طويلاً.
صحيح أن تحالف السلطة مع رأس المال أكسبها رئاسة المجلس و أسقط عضوية النائب د.بدر الداهوم و تمكن من تمرير الميزانية العامة في جلسة أقرب إلى الهزل منها إلى الجد، لكن الصحيح أيضا أن السلطة خسرت أهم عامل في معادلة الحكم و هو الرضا الشعبي الذي يعتبر رأس المال الحقيقي لأي نظام حكم يستمد شرعيته من علاقة التراضي بين الحاكم و المحكوم . و لأن الشعب في النظم الديموقراطية – التي نزعم أن نظامنا ينتمي اليها – هو مصدر السلطات و مصدر الشرعية ، فإن تكرار محاولات إهمال ارادته يعد ضربا من ضروب المجازفة غير المحمودة و غير الحكيمة.
أما الخسارة الأخرى للنظام و التي لا تقل أهمية، فهي تراجع قناعة الشارع الكويتي بالسلطات الممنوحة لأسرة الحكم التي يتضمنها دستور ١٩٦٢ و الذي يمنح رئيس الدولة صلاحيات مطلقة في تشكيل الوزارة وحلها و حل مجلس الأمة ، بالإضافة الى اعتبار الوزراء أعضاء في مجلس الأمة (رغم كونهم غير منتخبين) و هو ما يتيح للحكومة أن تتحالف مع أقلية نيابية لا تعبر عن نبض الشارع لتهيمن على مجلس الأمة كما هو حاصل اليوم.
لقد اكتشف الناخب الكويتي الذي دفع بمجلس يعبر عن طموحاته و آماله – رغم تعقيدات المشهد السياسي الذي فرضه مرسوم الصوت الواحد – انه يلهث خلف سراب ، وأن آماله التي علقها على هذا المجلس ذي الأغلبية الاصلاحية ، تم اجهاضها من خلال اقلية نيابية تحالفت مع حكومة تشكلت بعيداً عن مخرجات الانتخابات.
هذا الوعي الشعبي المتنامي للواقع السياسي، علاوة على عجز و فساد الشيوخ الذين تولوا مناصب تنفيذية رفيعة ، جعل خيار الحكومة البرلمانية (التي تتشكل وفقا للإرادة الشعبية الحقيقية و ليس تبعا لمزاج هذا الشيخ أو ذلك التاجر) خيارا واقعيا بل مطلبا شعبيا، بعدما كان شعاراً نخبوياً لعدد محدود من النشطاء السياسيين بالأمس القريب.
لقد عانت الكويت بما يكفي من ثنائية الفساد و سوء الإدارة على مدى العقود الثلاثة الماضية، وكانت النتيجة الطبيعية هي المزيد من التراجع و التخلف في جميع المجالات، في الوقت الذي يرى شباب الكويت بأم عينه العديد من التجارب الناجحة لدول استطاعت أن تنهض من الركام و هي لا تملك معشار ما تملكه الكويت من إمكانات ، لا لشيء إلا لإصرارها على أن تكون شريكاً حقيقياً في الحكم، فقَلّ عندها الفساد ، وزاد الإنتاج و تقدمت البلاد.
د.أحمد الذايدي
أضف تعليق