“اما بنو إسرائيل فاثمروا و توالدوا و نموا و كثروا كثيرا جدا و امتلأت الأرض منهم، ثم قام ملك جديد على مصر لم يكن يعرف يوسف، فقال لشعبه هوذا بنو إسرائيل شعب أكثر و أعظم منا” سفر الخروج – التوراة
بهذا النص تتجلى رمزية أبدية ولا تنتهي، لماذا تتدخل السلطة أحيانا في الجدل والصراع الاجتماعي الطبيعي في كل مدينة، كان مثلاً ثوقيديدِس المؤرخ اليوناني يذكر الصراع القائم في أثينا بين البحارة أو اهل البحر وأصحاب الحرف الزراعية، كأقدم نص تاريخي للصراع الاجتماعي الطبيعي في كل مدينة أو دولة بأعلى تصورتها التي تجمع كل تناقضات الجغرافيا، لكن ما الذي يجعل من هذا الامر قنبلة؟ أو امرا غير طبيعيا؟
هذا ما تكشف في النص التوراتي والقرآني، حينما تتدخل السلطة وتنحاز لطرف ضد طرف، وللسلطة تكتيكاتها المبررة، لكن ما الذي يجعل هذا الصراع عند البعض صفري، يجب ان يفنى الاخر، بعد ان كان مجرد جدل كلامي أو مهاترات شعرية بين أهل القرى وأهل البوادي؟ بلا شك نفس الخوف الذي كان يزعزع الفرعون وحاشيته ممن ذكرته النصوص المقدسة القديمة، الخوف من الكثرة والغلبة عليهم في العهود القديمة واما في العهود الجديدة هو كما حصل في المانيا النازية، الفرقة التي تزاحمنا في السلطة الاقتصادي وحتى الوجاهة والأماكن التي تعتبر حكراً لنا، هكذا كان النازيون يفكرون حين أبادوا اليهود، وهكذا كان الامر في كل دولة تفوح فيها رائحة النازية بغطاء، أنتم الدخلاء ونحن اولي الاصالة ولن نرضى ان تقاسمونا خيرات النيل الذي يجري من تحتنا، حكرا لنا!
أن المسألة ليست صراعا اجتماعيا كما كانت وستكون الى أزل التاريخ بين مكونات وهويات مختلفة، وانما يكون الخطر عندما ينتقل الامر الى ميدان السياسة ويدعم من بعض الساسة، أن ينتقل الصراع الاجتماعي البسيط بين اهل القرية واهل المدينة أو اهل البحر والبر، او اهل الزرع واهل الماشية، الى نقطة السياسة التي لا تحب أن يقاسمها أحد النفوذ وهذا جوهر السياسة كما يقول كارل شميت تمييز الأعداء!
في الحقيقة أن المسألة في الكويت ان البعض لا يزال يفكر بطريقة القرية التي تتوجس خيفة مما وراء اسوارها، ونقلت الصراع الاجتماعي البسيط والطبيعي من مجاله الاجتماعي الى ميادين السياسة وعلى طاولات الساسة، وما كان ينبأ بحقبة نازية مدمره لولا أننا في حالة اقتصادية جيدة وسلطة قوية مدركة ان الامر يجب أن يتوقف لنقطة ما، ولكن ماذا عما في الصدور؟ هذا ما يجعل النار تحت الجمر تشتعل كلما نفخ نافخ كير!
عبدالعزيز عمر الرخيمي
أضف تعليق