بادئ ذي بدء فإن لكل إنسان الحق في إدارة شؤون أزمته ولكل إنسان ظروفه النفسية والذهنية والاجتماعية والمالية ، فليس كل إنسان يقدم تضحية هو بالضرورة إنسان شجاع وإنما قد سمحت له الظروف بزمن محدد أن يُقدم على هذه التضحية وفي نفس الوقت لم تسمح للآخر لأسباب عائلية أو وظيفية أو الخ .
فمفهوم التضحية لا علاقه له بالشجاعة أو الإيمان من عدمه. لكنه مرتبط بظروف الإنسان وقدرته وطاقته ولكل إنسان ظروفه الخاصة وقدراته وطاقته المتغيرة مع الزمن وقراءته وتحليله للوقت المناسب للتضحية.
فمسألة ربط التضحية بصفة الشجاعة أو الجبن و بالثبات أو التراجع هو أمر قاسٍ وغير إنساني وفيه من الظلم الشيء الكثير.
وإخواننا المهجرين قسرا في تركيا لهم الحق الكامل والتام في كيفية البحث عن حلول لقضيتهم وليس أمامنا إلا الالتزام والدعم المعنوي الكامل لما يرونه ويتوصلون له من حل أو إليه أو طريقة لحل قضيتهم وإنهاء معاناتهم. وليس من شيم المؤمنين الصادقين أن يستغلوا ظروف الناس ومعاناتهم ويضعونها في سوق المزايدة والمهاتره فالرسول (عليه الصلاة والسلام) عندما أقر بصلح الحديبية اعترض الكثير من الصحابة على ذلك تحت تأثير الحماس والاندفاع والغرور بالقوة إلا أنه أراد شكلا آخر للانتصار ، انتصار ليس فيه خاسر وبعدها بعامين تم فتح مكة. وكما يقول أها السياسة ، قد يكونُ من الضروري أحياناً أن تأخذَ خطوةً إلى الخلف.. قبل أن تقفز خطوتين إلى الأمام. وعلى الرغم من معاناة الغربة وتداعياتها إلا أنهم في كل مناسبة وكما جاء في بيانهم، يدعون الجميع بضرورة التمسك بالدستور وعدم تقديم أي تنازل على حساب المكتسبات الشعبية والدستورية.
فالجمود في تفسير الواقع لاشك بأنه يأتي بنتائج جيدة للزعماء ويحقق لهم مجداً شخصياً جيداً ولكن انعكاسه على الناس ومصالحهم وقضاياهم يؤدي الى الفشل والخسارة والخذلان والألم والتدمير وهذا ما نسميه بأنانية الزعماء.
فقد أكد بيان تركيا على ثلاث نقاط رئيسية وهي:
١ – نقد النواب
٢- تأييد الحوار الوطني
٣- المطالبة بعفو كريم
وقد اتفق الجميع على ذلك باستثناء النائب السابق والرمز الوطني فيصل المسلم والذي سجل اعتراضه فقط على جزئية (نقد النواب) وهذا الاعتراض لا يرتقي لكل هذا الشد والجذب الذي تداعت له مواقع التواصل لأمرين رئيسين:-
١- كون أن النقد هو عمل صحي وثوري يسعى من خلاله تقويم انحراف أو إعادة النظر في الأولويات أو تطوير قدرات معينه وليس يعني كل انتقاد هو تشكيك أو طعن أو خصومة.
٢- باعتقادي أن القضية التي تستحق الجدل والنقاش والاصطفاف هي قضية الحوار الوطني مع السلطة ، وهذا ما أجمع عليه جميع الأخوة المهجرين بلا استثناء وهذا يبقى رأيهم وحقهم في التعبير عنه.
لذلك يبدو لي أن لب الأزمة يكمن في هاجس انعكاس قضية العفو على تماسك كتلة ال٣١ وأن نقدهم قد يساهم بتفكيكهم. وهذه الأمر يدعونا للعودة إلى الخلف ، وطرح عدة تساؤلات:-
• من أنتج هذه الكتلة؟ ولماذا ؟ وماذا يريد منها ؟ ومن المسؤول عن تماسكها؟
أنتجها الناس عن طريق صناديق الاقتراع بعمل وطني وعفوي وليس عمل منظم تحت إشراف قوى سياسية أو جماعة محدد ، ولماذا؟ لتوفير حلول لمشاكلهم. وماذا يريد منهم؟ يريدون منهم عملاً سياسياً محترفاً يقتنص الفرص ويخلص بحل مشاكلهم.
أما المسؤول عن تماسكها ، أيضا هم الناس ومن خلال الرأي العام والرقابة الشعبية ومتابعة ومراقبة أداء نوابهم. فعلينا أن نتحرر ويتحرر كل من هم في القيادة من هاجس تماسك الكتلة.
فكل قضية تعرض على البرلمان لها جمهورها وناخبوها الذين يراقبون اصطفاف نوابهم والناس التي اختارت هؤلاء بإمكانهم إعادة إنتاجهم أو إنتاج أفضل منهم في حال تم خذلانهم. فهذه المهمة مهمة شعب وليس مهمة زعيم وهذا الأمر لا يأتي بالتكتيك وإنما بالإلهام.
يبقى مسلم البراك وفيصل المسلم وجمعان الحربش ومبارك الوعلان وسالم النملان وخالد الطاحوس وناصر الرداس ومحمد البليهس وعبدالعزيز جارلله ومشعل الذايدي ، رموز وطنية مخلصة للقضية الأم وهي الكويت ودستورها وشعبها ، ثابتين شامخين مرفوعي الرأس، وسيسطر التاريخ السياسي الحديث أجمل وأعظم ممارسة سياسية قدموها طيلة ال ٦٠ عاماً الماضية.
أنور الفكر
أضف تعليق