كتاب سبر

لكم قبيلتكم ولي قبيلتي

بعد أن وضعت الحروب الكلامية الانفعالية أوزارها، ففي وقت الانفعال لا يُسمع صوت العقل مهما كان محقا وعاليا, لذلك وجب علينا الان الحديث من المتسبب ومن هم الضحايا الحقيقيون ومن هم المتسببين, أما لوم طلاب وجد فرصة من خلال أساليب ملتوية وجدت أصلا مسبقاً ثم توزيع كوته على اكثر القبائل عددا من قبل قوائم موجودة منذ عقود وأن نلوم الشباب ولا نلوم تلك القوائم، هذا والله البلاء العظيم!

بل انه الجنون نفسه! والظاهرة هذه أقدم فما الذي تغير؟ منذ اكثر من خمس سنوات بدأت القوائم او تحديدا قائمتان تحددان كوته لكل قبيلة تمتلك الأكبر عددا مقابل مناصب نقابية ليست بمؤثرة ويمتد نفوذ تلك القوائم للخارج، نعم نحن أمام بيادق ترقص مهللة فقط لأنها وجدت على رقعة الشطرنج أو قفزت له ولا يهمها من هو اللاعب الحقيقي او الأيادي التي تحركهم، وهذه الحقيقة رغم أنف من يبحثون عن جنائز فقط ليلطموا عليها فقط لان القاتل من مكان لا يحبونه او من لون لا يناسبهم, ومن هنا تبدأ حكاية مهمة في تاريخ الكويت عمره لم يصل الى عقدين بل اقل بقليل.

يقول كارل شميت في كتابة اللاهوت السياسي:” ان ماهية الدولة هو خوف البشرية من نفسها”، قد يكون مثل هذا التعريف سوداوي قليلا لكن يلامس أهم صفة يرضى فيها الأفراد للدخول في أي تنظيم سياسي أو هوية جامعة مثل القبيلة أو الدولة نفسها أعلى مستويات للسلطة بعد القبيلة، بلا شك البحث عن الامن, الفرد بالنهاية يعلم أن من دون دولة او جماعة أو رهط أو قبيلة, سيكون ريشة بمهب كل من طبع به, حتى بحقه! لذلك دوما الفرد يصبح عنده الانتماء أولوية لا ترفاً, وسرعان ما يذوب انتماء قديم إن وفر انتماء جديد احتياجات اكبر, مثلا الدول الحديثة والقديمة منها, اسقطت امتيازات قبيلة على أخرى أو عرقا على آخر, واعطت امتياز تكافؤ الفرص النوعية, لا تلك العددية والكمية التي تتباهى فيها القبائل, كما يقول السموأل:” تعيرنا بأن قليلا أعدادنا” وهنا أتكلم بلا شك عن الدولة الأكثر عدلا, أما الدول التي وقعت في فخ الدولة الفاشلة او تكاد, تنمي تلك الانتماءات القديمة وتضرب ذاك بذا بل ان الحاكم كما في الجمهوريات يستعين ببعده الاجتماعي كقرية مثل العوجا لصدام او الطائفة كما الأسد والعلويين او قبيلة كما حاشد وعلي عبدالله صالح, والفرد في هذه المعادلة الغير عادلة وجب عليه الانسحاب للهوية الاضيق القديمة, هوية القبيلة او القرية الصغيرة أو العائلة الممتدة او حتى الطائفة الدينية والمذهبية, لانه دونه سيسحق, وكما قال الله عز وجل بلسان قوم صالح:” لولا رهطك لرجمناك” هذه معادلة الفرد بين دولة تنحاز لهوية دون أخرى ولا تحترم الا الكم, اذا لماذا نلوم الافراد في حق البقاء؟

في الحقيقة ابتدأت الدولة بمثل هذا الفعل منذ قديم، لعبة القبيلة والدولة أقدم من أننا نعض على أيدينا كأننا أمام مشهد جديد، لكن هل حقا كانت الدولة دوما مع القبيلة؟ لا طبعا حصلت انقلابات كثيرة تجاه هذا التحالفات الكمية، اذ أن قبل عقد ونيف تقريبا ومع الموجه الجويهلية، بدأت قبيلة جديدة بالتكون بل أنها قديمة ولكن لم تظهر بكل شراستها كما في العهد السابق, قبيلة اهل السور او أصحاب البلد الاصلين واخذ مسميات ما شأت, قد لا يرتبط جميعهم بدا واحد, وهذا لا ينكر انها قبيلة اذ ان القبائل تتكون كثيرا من احلاف, شتات اقوام شاءت الجغرافيا والخطر المشترك ان يتحالفوا, وهذا ما كان, بدأت هذه القبيلة بالتحريض على كل من ليس منها, أولا بإزالة هويتهم الوطنية ثم حين لم يجدوا فائدة بدأوا يحاولون حرمان من ليس منهم من أماكن او مناصب حساسة او حتى من حق الظهور, لانهم الأولى, كان عهداً نازيا مهما انكر المنكرون, وماذا بعد هولوكوست سحب الجناسي واعدام عوائل من الوجود والقيود بعضهم بل وماذا بعد التصفيق لكل تصعيد عسكري وضرب وسحل امام رؤوس الاشهاد وكاننا امام الانسان القديم يضحك على صراع الموت لاثنين من اعدائه رغما عنهم, يسقط هنا مكياج الحضارة وزيها مهما ادعى صاحبها ذلك, وما الانسان الا لسانه وقوله؟

هذا ما دفع بلا شك الأغلبية الكبرى ممن يرون انهم اضطهدوا فقط لانهم لا يسكنون ما وراء الدائرة الخامس او لانهم لا يقلبون الجيم ياءً أو لم يبدلوا أسماء قبائلهم باسم جدهم الرابع او الخامس معطوفا ب ألف لام التعريف, نعم جميعنا ضحايا, بل أن ضحايا اليوم يستحقون إعادة النظر بسلوكهم اكثر وإعادة النظر في تلك الهوية الجامعة واقصد الوطنية التي تشرخت وتصدعت خلال عقد واكثر من الزمان لمناورات سياسية من السلطة كي تستطيع السيطرة من خلال فرق تسد, ومن خلال إعادة الجميع لهوياتهم او انتمائاتهم القديمة من قبلية وعرقية ومناطقية او طائفية, لتستطيع التفاهم مع اُطر تلك السلطات الاجتماعية القديمة اكثر سيطرة على افرادها واكثر قوة بصهر الفرد داخل الجماعة بعكس فضاء وفسحة الهوية الوطنية الأكبر والاوسع وبلا شك الأخطر لبعض السلطات التي لا تريد مثل هذا النوع من الافراد وانما تسلسل هرمي يستطيع أي احد التعامل معهم.

نعم نحن اما نكوص خطير للدولة ولكن هل من القبيلة التقليدية فقط؟ لا بل من الجميع, فالكل يتهم الاخر والكل يغازل السلطة كحليف معتمد والكل يخشى الاخر كما لو اننا عدنا للحالة الأولى ما قبل الدول, حالة خوف الإنسانية من ذاتها كما أسلفنا في اول المقال, لذلك حفلات الزار تجاه مكون محدد لن تجدي نفعا وانما ستجعل ذلك الفرد يزداد تماسكا تجاه هويته القديمة وتجاه انتماءه لها بل ودفاعه عنها فهو بدونه في خطر, ومن دونها بلا فرص تحقيق ذات وبدونها لا يدري محرضين اليوم بوجودها ماذا يفعلون به, بل انها استطاعت اقصد القبيلة من خلال فرزها لنواب ان تعيد لها حقوق كثيرة أهمها الجناسي والوظائف وابسط مقومات الحقوق, اذن لماذا يتنازل عنها والمعادلة وضعت هكذا و وضعت ممن هم اكبر منه ومن قبيلته و وضعت كأطار يحدد مسار الدولة بل لماذا يتنازل عن هويته وقبيلته ومن ينتقدونه هم أيضا ينتمون لقبائل ولكن بشكل اخر, قبيلة مناطقية وقبيلة مذهبيه وقبيلة تجمع افرادها معايير تختلف عنه قليلا, هذا بلا شك ما لا يقبله عقل ولا يتنازل عنه فرد.

عبدالعزيز عمر الرخيمي

أضف تعليق

أضغط هنا لإضافة تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.