تقترب القوى الغربية -ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي- من الاتفاق على طريقة لاستبعاد روسيا من منظومة “سويفت” (SWIFT) للتعاملات المالية العالمية، ردا على غزوها الأراضي الأوكرانية. وكان وزير المالية الفرنسي برونو لومير وصف -أول أمس الجمعة- القرار المحتمل باستبعاد موسكو من “سويفت” بأنها أشبه بسلاح نووي مالي.
فما سويفت؟ ومن يتحكم في قرارها؟ وما علاقتها بالعقوبات المالية التي تفرضها الدول على بعضها أو كيانات بعينها؟
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن القوى الغربية تتجه لتنفيذ إقصاء انتقائي لبنوك وهيئات روسية محددة من نظام سويفت، مع عدم استبعاد كافة المؤسسات الروسية برمتها، وذلك لتجنب الأضرار التي سيسببها ذلك القرار لدول أوروبية لديها تعاملات مالية واقتصادية كبيرة مع روسيا، وعلى رأسها ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد أوروبي.
وقد صرّح مسؤول أميركي للجزيرة أمس السبت بأن الرئيس الأميركي جو بايدن قد يختار إقصاء بنوك وهيئات روسية محددة من سويفت، لتجنيب الشركاء أي تداعيات سلبية، وذلك في إشارة إلى بعض الدول الأوروبية ولا سيما ألمانيا.
تصريحات ألمانية
وبعد تحفظ برلين في الأيام الماضية على استبعاد روسيا من “سويفت”، أبرز الأدوات في التحويلات المالية العالمية، خفف المسؤولون الألمان من اعتراضهم. إذ قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيروبوك وزميلها المكلف بالاقتصاد روبرت هابيك -في بيان مشترك أمس السبت- إن برلين مستعدة للموافقة على فرض قيود محددة على روسيا في استخدام منصة سويفت، مع التشديد على الحد من الأضرار الجانبية لهذا الإجراء العقابي على موسكو.
ومن المتوقع أن يبحث وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي -اليوم الأحد- حسم القرار بشأن إغلاق نظام “سويفت” في وجه عدد من البنوك الروسية.
فللغاز الروسي حصة كبيرة من إمدادات الطاقة في ألمانيا (40%)، ومن شأن استبعاد روسيا من نظام “سويفت” أن يؤدي إلى توقف إمدادات الغاز الروسي لألمانيا، كما أنه سيعرقل بشكل كبير تحصيل الدائنين الأوروبيين أموالهم لدى المؤسسات المالية الروسية والمقدرة بمليارات الدولارات، ويخلق تعقيدات ومخاطر كبيرة للبنوك الأوروبية التي لها تعاملات مع السوق الروسية.
وتحتل روسيا المرتبة الخامسة ضمن أكبر الشركاء التجاريين للاتحاد الأوروبي، وبلغت قيمة حجم تجارة السلع بين الطرفين في عام 2020 نحو 174.3 مليار يورو، منها 79 مليار يورو هي عبارة عن صادرات دول الاتحاد إلى روسيا.
ويسمح نظام “سويفت” بإجراء مراسلات بشكل سريع وآمن لتنفيذ التحويلات المالية، وسيؤدي إقصاء موسكو منه إلى تعطيل تجارتها مع معظم أنحاء العالم، فهو الآلية الرئيسية لتمويل التجارة الدولية.
ما سويفت؟
تأسست “جمعية الاتصالات المالية العالمية بين المصارف” -المعروفة اختصارا بـ”سويفت”- في عام 1973، ولا تتولى عمليا أي تحويلات أو تبادلا للأصول المالية، إلا أن نظام المراسلة الخاص بها الذي تم تطويره في السبعينيات من القرن الماضي للحلول بدلا من أجهزة “التلكس”، يوفر للمصارف وسائل للتواصل السريع والآمن والمنخفض الكلفة.
وشركة سويفت التي تتخذ من بلجيكا مقرا لها، تخضع للقانون البلجيكي والقوانين الأوروبية، وهي بمثابة تعاونية للمؤسسات المالية العالمية، بما فيها البنوك المركزية والبنوك التجارية وباقي المؤسسات المالية في العالم، وهي تؤكد على موقعها الإلكتروني طابعها الحيادي، إلا أنها ملزمة بالتقيد بالعقوبات المالية التي تقررها السلطات التنظيمية في بلجيكا، وفي الاتحاد الأوروبي.
وتقدم شركة سويفت خدمة المراسلات المالية لأكثر من 11 ألف بنك ومؤسسة مالية وشركات في أكثر من 200 دولة عبر العالم. وتسيطر على الشركة المؤسسات المالية التي تحمل أسهمها، وتمثل هذه المؤسسات قرابة 3500 شركة مالية في العالم.
وتفيد إحصاءات سويفت بأنه جرى عبر منصتها قرابة 42 مليون رسالة لتحويلات مالية كمتوسط يومي في عام 2020، وبلغت حصة روسيا من هذه المعاملات 1.5%.
الهيئات المقررة
ويختار حملة أسهم شركة سويفت مجلس إدارة مكونا من 25 عضوا يمثلون البنوك في العالم، ومهمة المجلس هي اتخاذ القرارات بشأن إدارة شؤون الشركة، في حين تدبر شؤونها الإدارية اليومية لجنة تنفيذية مكونة من 10 أعضاء.
وتهيمن الدول الأوروبية والولايات المتحدة واليابان وأستراليا على قائمة أعضاء مجلس إدارة شركة سويفت ولجنتها التنفيذية، مع وجود ممثل لروسيا في مجلس الإدارة.
كما توجد هيئة إشرافية على أعمال سويفت، وهي مكونة من ممثلين عن 10 بنوك مركزية لكل من بلجيكا وكندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان وهولندا وبريطانيا والولايات المتحدة وسويسرا والسويد، فضلا عن عضوية البنك المركزي الأوروبي في الهيئة، ويترأس الهيئة البنك المركزي البلجيكي.
وتعد روسيا ثاني أكبر بلد ضمن سويفت من حيث عدد المستخدمين لهذه المنظومة بعد الولايات المتحدة بنحو 300 مؤسسة مالية، ويمثل هذا الرقم أكثر من نصف المؤسسات المالية في روسيا.
وتفيد التقديرات بأن حجم التعاملات المالية المرتبطة بروسيا عبر منظومة سويفت يناهز 800 مليار دولار سنويا.
سوابق الاستبعاد
في عام 2019، تم تعليق نفاذ المصارف الإيرانية إلى منظومة سويفت، وذلك في أعقاب إعلان الولايات المتحدة إعادة فرض عقوبات على طهران بعد قرار إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الانسحاب بشكل أحادي من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة تطبيق عقوبات مشددة على طهران بما فيها العقوبات المالية.
وحذّرت وزارة الخزانة الأميركية في حينه من أن سويفت قد تتعرض لعقوبات ما لم تلتزم بما حددته واشنطن من عقوبات على طهران.
وكانت إيران قد فصلت من منظومة سويفت اعتبارا من عام 2012 مع فرض عقوبات أميركية عليها، وحتى عام 2016 حين تم رفع العقوبات بعد إبرام الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى عام 2015.
وسبق أن طرح خيار استبعاد روسيا من منظومة سويفت عام 2014، ردا على ضم موسكو شبه جزيرة القرم الأوكرانية، لكن تم التخلي عن هذا الخيار في نهاية المطاف، وقد قالت موسكو حينها إن طردها من سويفت سيكون بمثابة إعلان حرب عليها.
كما أن السودان كان خارج منظومة سويفت على مدى 20 عاما، جراء العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة على الخرطوم منذ عام 1997، قبل أن تعمد إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى رفع هذه العقوبات في يونيو/حزيران 2017.
خيارات موسكو
من شأن اعتماد وتنفيذ قرار استبعاد روسيا من منظومة سويفت أن يدفع موسكو إلى تطوير منظومة تحويلات خاصة بها، بالتعاون مع حليفتها بكين على سبيل المثال.
وقد أوجدت روسيا في السنوات القليلة الماضية بنية تحتية مالية خاصة بها لمواجهة العقوبات الغربية التي طبقت عليها، وذلك في أعقاب ضمّ موسكو شبه جزيرة القرم الأوكرانية.
وتتضمن هذه البنية التحتية المالية الروسية نظام “إس بي إف إس” (SPFS) للتحويلات المصرفية، والذي يضم 400 مؤسسة مالية روسية، فضلا عن نظام “مير” (Mir) للدفع بالبطاقات المشابه لنظامي “فيزا” و”ماستركارد”.
المصدر : الجزيرة
أضف تعليق