أثناء جلوسي في قاعة المعزين داخل مبنى السفارة الفلسطينية للمشاركة في عزاء الزميلة شيرين أبو عاقلة مال ناحيتي أحد السفراء العرب ليهمس بأذني بعد تعزيته لي ليقول “فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيض العدا”
ثم أكمل وهو يُقربُ فمَه من أذني ، أن والدته التي تبلغ من العمر تسعين عاما تسمرت أمام شاشة قناة الجزيرة تتابع بحزن شديد كل ما جرى لشيرين منذ لحظة اغتيالها وحتى يوم دفنها وما تزال تتابع .
بالتأكيد مشاعر هذا السفير ووالدته التسعينية ليست استثناء أو مستغربة في ظل طوفان جارف من مشاعر التعاطف وعبارات الاستنكار بعد اغتيال وإعدام الزميلة شيرين أبو عاقلة بدم بارد . ما هي إلا دقائق حتى نهضت باتجاه سجل مفتوح كما طلب مني أحد أعضاء السفارة من أجل تسجيل كلمات بهذه المناسبة وبحق الزميلة شيرين أبو عاقلة .
وصدقا إن ما كتبته في سجل العزاء هو ألم لا كلمات ووجع لا عبارات وصدمة يصعب على الزمن ترميم لحظتها أو اعادة عقارب ساعتها أو قدرة ذلك الزمن على مسح يوم فراقها من الذاكرة الفلسطينية وذاكرة كل أحرار الكون .
همجية الظالم لم تتوقف بتوقف أنفاس شيرين أبو عاقلة بل ازدادت تلك الهمجية غطرسة وخسة فهجمت بكل صلف وسفالة وحقد أسود على تابوت يحمل جسدها الطاهر لكنه جسد هزمهم أمام أعين العالم وكشف زيفهم وكذبهم كما كان يكشفهم ذلك الجسد حين كانت تتدفق فيه روح شيرين … تلك الروح المحبة للسلام والإنسان والكارهة للقهر والطغيان .
يوم فراق الزميلة شيرين ، تلك الفارسة النبيلة التي وهبت روحها للحق وللحقيقة هو يوم من أيام اليقين الذي أسقط اللثام عن وجه قبيح فخرجت حقيقته عارية شاهد كل من له عقل وقليل من نظر وحشية محتل مختل أرعن لا يفهم ولا يعرف سوى لغة العنف فقابل بكل خسة الكلمة بالرصاصة والقلم بالهراوة وذاك هو أسلوب الجبناء وحوار أعور غير متكافيء بين متسلط ظالم فاجر حمل وما يزال أدوات الموت ومعاول هدم الإنسان تجاه صحفية نبيلة صادقة لم تكن تحمل سوى قلم الحقيقة في يدها ووطن سليب في وجدانها وبين ضلوع جوفها ، وهذا كما يبدو ما أشعل كره ذلك المحتل فرمى بكل قوة معاول وأدوات قتله في وجه شيرين وهو دون شك عجز من يملك قوة الباطل أمام عنفوان وكرامة وطهر الممسك بمشعل الحق والحقيقة .
وإن أخرجت تلك الرصاصة الخادعة الماكرة روح شيرين غير أن جسدها الطاهر كان يقاوم المحتلين ويثير الرعب في عقولهم المحشوة دناءة وقلوبهم الممتلئة حقدا ، ولا عجب في جسد تحفه روح شهداء فلسطين أن يهزم قوة عسكرية مدججة بالبنادق ورصاص الموت ..
أرادوا قتل شيرين أبو عاقلة وإسكات صوتها فارتفعت أصوات الأحرار في كل بقعة على هذا الكوكب منددة بفعل جزار قرر إعدام مواطنة صحفية عزلاء تحمل حلم استقلال وطنها وذلك هو ذَنبٌ عظيم في قوانين المحتل الظالم..
ختاما لن يذهب دم شيرين أبو عاقلة سدى أو ينسى في ظل تعهد قطعته الجزيرة على نفسها من خلال ملاحقة الجناة وتقديمهم للمحاكمة وهذا أقل ما يقدم بحق من قدم روحه فداء لقضيته وقضية الشرفاء في كل مكان قضية فلسطين .
خالص العزاء لعائلة الزميلة الغالية شيرين أبو عاقلة، ولزملائها في شبكة الجزيرة وللقيادة الفلسطينية وشعب فلسطين الأبي ولجميع محبيها في كل زاوية ومكان في هذا العالم ،ولترقد روحك بسلام واطمئنان.
سعد السعيدي – مدير مكتب قناة الجزيرة في الكويت
أضف تعليق