إن الشعب الكويتي كان ولا يزال يعطي قيمة كبيرة لدستور 1962 الذي خلق دولة الكويت الحديثة وشد بنيانها وأسس أركانها وجعلها “مع التطبيق الصحيح” خاصة في السنوات الأولى ترتفع على جميع المستويات الثقافية والأدبية والرياضية والتعليمية والصحية وغيرها من المجالات، فهكذا تصنع الدساتير الحقيقية بالمجتمعات خاصة إذا كان هذا الدستور نتاج أيديهم ومطالبهم فيصعد بهم ويصعدون به.
ولكن ودون الحاجة لدليل نجد أن دستور 1962 تعرض لضربات قوية من الداخل وصلت حد اعلان تعطيله مرتين عامي 76 و86، ولكن عادت به للتطبيق ضربات أقوى من الخارج.
فالدستور قيمة قانونية واجتماعية وحضارية يلتف عليها أبناء الوطن حكاماً ومحكومين مواطنين ومسؤولين فهو الميزان الحقيقي لما هو صحيح وما هو خاطئ، وإلا كانت الفوضى سيدة الموقف والانتصار للذات هو المنهج. فالشرعية الدستورية تتطلب أولا احترام نصوص الدستور وهذا أمر لا مفر منه، ثانيا تطبيق نصوصه وفق مبدأ حسن النية.
ولم يعد يخفى على كل مطلع بأن الدستور كثيرا ما يتم مخالفة نصوصه، والأكثر ايذاءً هو تطبيق نصوصه بما لا يتحمله النص ولم يقصده واضعيه ولا يتفق مع المنطق السليم في التفسير.
أن الدستور عند صياغته وإن كان يخلق السلطات كأدوات في تطبيق نصوصه ولكنه يعتمد على الشعب في حماية نصوصه من مخالب السلطات لأن النصوص الدستورية تضع تخوم وحدود دستورية لكل سلطة والتي قد تشعر معها بعض السلطات بضيق جراء التطبيق السليم للدستور في بعض المواقف السياسية. وهنا يكمن دور الشعب عبر رقابة الرأي العام في رد كل سلطة إلى المساحة المحددة لها دستوريا دون افراط أو تفريط.
إن الأزمة السياسية في الكويت تشعبت وتنوعت حتى بات الجميع يعلم عن مدى السخط العام وهذا ما يحتاج إلى وقفة جادة من رجال الدولة لنوقف هذا الاستنزاف ولا يمكن أن تكون السلبية هي الآلية دائمة الاستخدام في معالجة القضايا الدستورية والسياسية.
إن أخر محطات السخط العام هو التحالف الذي تكون بين رئيس الوزراء ورئيس البرلمان في مجلس 2020 عند اختيار منصب رئيس مجلس الأمة ، ولكن انتهى المشهد إلى أن قام 26 نائب عبر وسائل الاعلام باعلان عدم رغبتهم في التعاون مع رئيس الحكومة وهو ما حدا برئيس الحكومة بالاستقالة منذ 74 يوما.
ولا تزال لاحكومة مستقيلة ولا تعقد الجلسات إلا بحضور الحكومة وقد حرم البرلمان من حقه الطبيعي في الانعقاد نتيجة تراكمات من التفسيرات الخاطئة الخادمة للحكومة، حتى وصل الحال أن تأتي الحكومة إلى جلسة تمرير قانون التأمينات وهي الحكومة المعلن بشكل غير رسمي عدم التعاون مع رئيسها والذي انسحب من جلسة المواجهة مع البرلمان عبر عدم تمكينهم من التصويت فعليا على كتاب عدم القدرة على التعاون.
الامر الذي أدى لاتساع النقد والسخط العام من مختلف شرائح المجتمع الكويتي والسياسيين حتى ظهرت حركة احتجاجية غير مسبوقة بأن قام 18 عضو في مجلس الأمة بالاعتصام في مبنى مجلس الأمة منذ تاريخ 14 يونيو 2022 ولا يزال اعتصامهم قائم وهناك تأييد شعبي ملحوظ لهذه العملية الاحتجاجية.
ثم توالت عمليات التأييد السياسي لتلك الخطوة عبر الأعضاء السابقين الذين اجتمعوا لدى رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون وأعادوا فكرة احتجاجهم السلمي في تسعينيات القرن الماضي وما يعرف ب “دواوين الأثنين” ليكون هناك اجتماع يومي في دواوين الأعضاء المعتصمين على مستوى الدوائر الخمس.
ولا تزال الازمة مستمرة، وما يجعل الأزمة السياسية معقدة في الكويت هي وجود معادلة صعبة ألا وهي أن الفساد انتشر بشكل كبير وعلى كل الأصعدة ولكن يقابلها أن مطالب الشعب الكويتي بسيطة في المقابل وهي فقط احترام الدستور!.
د.فواز الجدعي
أضف تعليق